ثقافة العلاقات

البخل العاطفي خطر يهدد علاقاتنا

البخل العاطفي خطر يهدد علاقاتنا

“البخل في المشاعر لا يقل ضررا عن البخل المادي، فالزوجة أحوج ما تكون إلى كرم زوجها في هذه النقطة!”هذا ما جاء في كتاب الطلاق العاطفي وعلاقته بفاعلية الذات لدى الأسر لأنور مجيد هادي. تقول الدكتورة عزة فتحي أستاذة علم النفس وأصول التربية بجامعة القاهرة: “تترسخ عدة صفات نفسية في الأفراد منذ الصغر، فمبادئ الأسرة وقيمها الثابتة هي قوام الشخصية منذ الطفولة في اكتساب العديد من المبادئ والصفات، وصفة البخل صفة شأنها شأن سائر الصفات، لها عامل وراثي ولها عامل مكتسب”. أي أنه إذا وجد البخل بشكل عام في أسرة ما، فمن الغالب أن تكون أبناؤها كذلك. ف أغلب الأوقات يكون الإنسان البخيل ماديا بخيلا عاطفيا أيضا لأنه تربى على قلة العطاء والمشاركة.

ولكن هل يقتصر البخل العاطفي على البخلاء فقط! كلا، جميعنا في أوقات معينة مختلفة قد تطول أو تقصر نخبئ مشاعرنا لأسباب عدة منها:

  • أسباب تتعلق بمشاكل نفسية دفينة منذ الصغر. فقد نكون لم نجرب إحساس مشاركة المشاعر مع أبوينا وإخوتنا مثلا.
  • كره الظهور في موقف الضعف واستعطاف الناس.
  • بعض الناس حساسون للغاية من النقد أو الظهور مكشوفا أو التعرض للسخرية مثلا.
  • تجنب مشاكل أكبر بإظهار مشاعرنا.
  • قلة الثقة في النفس والإحساس وكأنما لا نملك حق إظهار آراءنا ومشاعرنا. ولعل السبب في هذا يرجع أيضا للتنشئة، إذ يكبر بعضنا في أسر لا تحترم الآراء والاختلاف وعادة ما تسكت الأطفال وتخرس أصوات إبداعهم قائلين: “هذا غير مهم ما تقوله” أو “صه، اصمت الآن!”

ولكن هل هذا أمر سهل لا يملك في طياته المشاكل؟! بالعكس، في الحقيقة البخل العاطفي كارثة وقنبلة موقوته مهما طال بها الزمن. أتذكر قصة امرأة لطالما عانت من برود زوجها وعدم إظهار حبه لها لا بالكلام أو المواقف ولكنها لطالما سكتت وصبرت “عشان تمشي المركب” وأن “الطلاق عيب!” ولكن ما لم تدركه هذه المرأة أنه وبعد مرور أكثر من 30 عاما أنها ما زالت تغلي وتصرخ من الداخل على مواقف مضت منذ أكثر من 20 عاما! هذه قصة في الحقيقة مؤلمة وقاسية لا سيما وأن بطلتها لا تدرك هذه الحقيقة وتظن أن الأمور مستتبة وما من مشكلة كبيرة تدعو لأي تعكرات. وللأسف تناست أو ربما هي لا تعرف في الأصل مدى أهمية المصارحة والبحث عن حل بإشراك الطرف الآخر معنا. من المشاكل التي تتشكل في وجود بخل عاطفي الآتي:

  • عدم وجود قناة للحديث وإن وجدت فهو غير صريح وغير عميق وبالتالي فالعلاقة غير راسخة ولا ترقى لأن تكون علاقة زوجية مثلا.
  • تفاقم الأمور وتراكمها على مر الوقت والذي يصل إلى سنوات بل عقود فيحصل إنفجارا فيما بعد وينتج عنه ما كان المرء يهرب منه طوال العمر.
  • اللجوء لمساعدات خارجية وللأسف قد نقع في ذم الطرف الآخر وإظهار الكره له أمام الغير وهذا يجعلنا نحن أسوأ مما نحن عليه فتزداد حالتنا سوء ونفضح عدم قدرتنا على حل أمورنا وحدنا ومواجهتها وفي النهاية وفي الحقيقة لن يقدم لنا الغير أي دعم أو نصائح تفي بالغرض إلا إذا كان معالج علاقات متخصص مثلا.
  • تدهور في الصحة النفسية واضح فيمتد حتى إلى الصحة الجسدية والعقلية فيما بعد.
  • تدهور صحة المحيطين بنا وإن كانوا أطفالا فسنكون بذلك قد ربينا جيلا متألما معه مشاكل سيعمل على اكتشافها أولا وقتا طويلا ومن ثم يحاول أن يعمل على حلها.

إذا ما العمل! الحل الوحيد هو العمل على مبدأين.

الأول: تعلم إظهار المشاعر لمن تربطك به رباط قوي كالآباء أو الأزواج أو الأبناء وهكذا. ولنعلم أن تغيير ما تعلمناه وتربينا عليه صعب جدا وبطيء جدا ولكنه بالطبع ليس مستحيلا ولا يقتصر على عمر معين كما يظن الكبار! ومن الأمور التي ستساعد في ذلك الآتي:

  • تعلم ألا تكبح أي فكرة أو إحساس تريد أن تبوح به، فقط اختر الوقت والموقف السانحين.
  • عندما تقرر أن تبوح بشيء، لا تغيره أبدا فقط أدل به صراحة وكاملا، فقط احترس ألا تخرج كلمات جارحة فلن يتفهم الآخر ما عانيته لوقت طويل.
  • لا تتسرع وتمارس الأمر يوميا، خذ وقتك وتعلم مما ستشعر به للمرات الأولى. تعلم أيضا من ردود أفعال الغير.
  • مارس اليوجا وتمارين التأمل ومبدأ المشاركة والكرم المادي وحتى بمشاركة الطعام.
  • إن كنت تجد صعوبة، تواصل مع متخصصين أو من تثق بهم ممن يعرف عنهم الحكمة والاحترام.
  • لا تكن عدوانيا أو دفاعيا عند البوح فالأمر ما به من عيب أو حرام. البوح بمشاعرك حقك وإن لم يتحملك الغير فلا يستحق أن تتحمله.
  • لا تحكم على غيرك بالبرود أو البخل العاطفي قبل أن تفهمه ما تشعر به مرات لا مرة واحدة وبعد فترة كافية يمكنك حقا أن تقرر مصيرك معه.
  • حاول أن تساعدهم في التعرف على أسباب بخلهم العاطفي ومحاولة التغلب عليه.
  • أخيرا تعلم أن ليس كا ما نريده سنحصل عليه كاملا، علينا أيضا تعلم المواكبة. تعلم بأي نسبة من المصارحة وإظهار المشاعر يمكنك الاستمرار في العلاقة ولكن لا تكن صارما.

الثاني: الصراحة. فما من داع لتخبية مشاعرنا أو أفكارنا. وفي الحقيقة إن وجدنا سببا لهذا، فقد نكون في الواقع مع الأشخاص الخاطئين. مبدأ الصراحة يبني الثقة ويوطد العلاقات ويسهلها ويجملها رغم أنه قد يكون صعبا في بعض الوقت ولكن هنا يأتي دورنا في اختيار الأوقات والكلمات المناسبة والتحلي بالتعاطف والتفهم. فليس بالضروري أن الناس كلها تريد إيذائنا أو تريد بنا شرا أو تتجاهلنا، فالعلاقات الإنسانية أكثر تعقيدا من رؤيتنا الأحادية.

لنحاول تعلم دائما ما نظنه ينقصنا. قد نسأل من حولنا عن الأمور التي يظنون أنها تنقصنا فنعمل عليها. البخل العاطفي مثلا، من المشاكل التي قطعت أواصر عدة وهدمت بيوتا عدة فقط لأن من بها لم يقدروا على اختيار المنهجية الصحيحة للتعامل معها. في أغلب الوقت، وإن وجدت النية للاستمرار فعلا، يكون الأمر سهلا في تخطي مشلكة البخل العاطفي ولكنه بالفعل يستغرق وقتا وجهدا وتفهما من الأطراف المعنية. لنحاول أن نكون صبورين ولكن لا صامتين. لنحاول الأخذ بيد من يحتاج المساعدة حتى وإن لم يكن يعرف أنه يحتاجها. لنحاول بناء أفعالنا على العلم لا على الظنون. فالحياة أسهل بكثير مما نتوقعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق