هل التنازل في الحب ضروري

الحب أجمل المشاعر التي تتغلغل في القلب، وكي يستمرّ لا بدّ من التضحية وتقديم الكثير من التنازلات من طرفي العلاقة. لكن في بعض الأحيان يقدم أحد الطرفين تنازلات أكثر من الآخر، فتصبح العلاقة غير متوازنة. وهذا بحدّ ذاته يسبب فشل العلاقة ووصولها إلى طريقٍ مسدود في أغلب الأحيان. هذا ما لا يرغب فيه أي شخصين يحبان بعضهما، لذلك فمن الضروري أن يكون لدينا ذكاء عاطفي يجعلنا نحسن التصرف ونعرف متى وكيف نقدم أي نوع من التنازلات لأجل الحب، ومتى علينا أن نضع حدًا لهذه التنازلات. لنتحدث عن التنازل في الحب بشكل مفصل.
متى يكون التنازل في الحب ضروريًا؟
الناس ينظرون إلى كلمة “التنازل” بمنظورٍ سلبي في معظم الأحيان. لكن في الحقيقة عندما يكون هذا التنازل مقترنًا بالحب يُصبح ضروريًا في بعض المواقف. وأهم المواقف التي يجوز فيها التنازل لأجل الحب:
- قضاء الوقت معًا: الحب لا يعني قضاء جميع الوقت مع من نحب، لكن بكل تأكيد التنازل عن بعض الوقت في بعض الأحيان لاستمرار العلاقة وتوازنها، ولا بأس من ترك بعض المواعيد لأجل الحب.
- الرضا ببعض القرارات: على الرغم من أنّ الخلافات تكثر أحيانًا بين المحبين بسبب تعنت أحدهم في اتخاذ قرار ما، لكن يمكن إيجاد نقطة اتفاق وتفاهم حول القرار والتنازل المدروس لأجل الحفاظ على الحب.
- التنازل عن بعض الشروط: بعض الشروط تفوق قدرة الطرف الآخر، ولا بأس من التغاضي عن بعضها أو تأجيلها.
- اختلاف المزاج: بعض الأشخاص المرتبطين تختلف أمزجتهم بشكلٍ كبير رغم الحب، كأن يحب أحدهم الهدوء والآخر يحب الصخب، وفي هذه الحالة يمكن لأحد الطرفين التنازل لإرضاء الآخر.
- تربية الأبناء: بعض الأزواج يرغبون في أسلوب معين في التربية، وبعضهم الآخر لا يعجبه هذا الأسلوب، وفي هذه الحالة يمكن توزيع المسؤوليات والوصول إلى نقطة تفاهم دون تنازل أحد الطرفين عن تربية الأبناء بشكلٍ كامل.
- ديكور البيت: في كثيرٍ من الأحيان يختلف ذوق أحد الشريكين عن ذوق الآخر، وقد يصلا إلى نقطة خلاف كبيرة بسبب هذه النقطة، وفي هذه الحالة ليس من الخطأ تنازل أحدهم عن رغبته في شيء معين لإرضاء الطرف الآخر.
متى يكون التنازل مثيرًا للشك؟
تقول جوني سياني أستاذة الاتصالات والإعلام في كلية مانهاتن فيل: “عندما يُظهر شخص ما نمطًا من التعاطف، فإنه يُظهر الحاجة إلى القوة، لإبقاء الناس يشعرون بأنهم صغار حتى يشعروا فيما بعد بأنه أكبر منهم. إذ إن تنازل شخص ما لأجلنا يُشعرنا غالبّا بعقدة الذنب”. وهذا يعني أنّ بعض الأشخاص يُظهرون تنازلًا ظاهريًا ليكسبوا موقفًا معينًا ويُشعرون الآخرين بالتقصير، ثم ما يلبثوا أن يغيروا مواقفهم ويكسبوا من وراء التنازل المبدئي، فيشعرون بتعاليهم وتذكيرهم الدائم للطرف الآخر أنهم قدموا تنازلًا.وهذا في نهاية الأمر يولد شعورًا لدى الطرف الآخر بعدم الأمان والاستقرار، وتُضيف سياني: “لا يتذكر الناس الكلمات التي تستخدمها، بل يتذكرون كيف تجعلهم يشعرون”. فإذا كنت ممن يفعلون ذلك، فهذا يعني أنك تلجأ للتنازل بدافع الأنانية وليس الحب.
أهمية التنازل في الحب
يجب على المحبين أن يفهموا التنازل في الحب بطريقة صحيحة وأن يتصرفوا وفق هذا الفهم كي تكون العلاقة متوازنة لا يطغى فيها طرف على آخر، وألّا يتنازل شخص بشكلٍ دائم بينما ينتظر الآخر التضحيات.
التنازل هو التخلي عن شيء ما أو بعض الأشياء للوصول إلى طريقة للتفاهم مع الشريك. ليس هناك شخصيات متماثلة تمامًا، وبالتالي فالتنازل لا بد منه كي تمضي العلاقات على خير ويعيش الحب. لهذا يحتاج أحد الشريكين إلى التنازل فقط إن كان التنازل متبادلًا. هذا هو الجانب الإيجابي للتنازل، بإيجاد حل يرضي الطرفين فيكونا سعيدين معا، وبأن يُقدر الطرفين تضحياتها وقيمة تنازلهما لأجل الآخر وتبنى بذلك الذكريات الطيبة.
أمور لا يمكن التنازل فيها!
رغم كل شيء ورغم أنّ الحب يدفع من يشعرون به إلى فعل أشياء يمكن وصفها بالجنونية، هناك نقاط حمراء لا تقبل التنازل ولا يجوز التضحية فيها مهما كانت الظروف. هذه النقاط تشمل: القيم والمعتقدات الدينية الثابتة لدى الشريك والتي لا يجوز المساس بها، والاحتياجات الأساسية للشخص التي تمثل أمورًا بديهية في حياته مثل: الرغبة في التعليم أو الاحتفاظ بالأصدقاء المقربين والعلاقة مع الأهل، وكل ما يتعلق بكرامة الشخص والثوابت الراسخة. ومثال ذلك: رغبة طرف في إكمال دراسته الجامعية ورفض الآخر حقه في التعليم. ليس من المحبذ التنازل والرضوخ في هذه الحالة، لأن التعليم حاجة أساسية ولا يقبل المساومة عليها!
نصائح قبل تقديم التنازل في الحب
• أخذ نظرة بعيدة وشاملة: قبل التنازل لا بدّ من التفكير في تبعاته، وما يمكن أن ينتج عنه، وما هو مقدار الأثر الذي يسببه هذا التنازل على المدى الطويل “خمس سنوات مثلُا”.
• فهم شخصية الشريك جيدًا: قبل التنازل وخوفًا من الوقوع في الندم، يجب معرفة ما إذا كان الشريك من النوع الذي يقدر قيمة التضحيات والتنازلات أم لا. فإن لن يقدر قيمة التنازلات، فمن الأفضل عدم تقديمها.
- المن على الطرف الآخر بشكل دائم: تذكير الشريك الدائم بالتنازل الذي قُدم من أجله يُفقد التنازل أهميته ويجعله مصدرًا لوقوع المشكلات.
• الخروج بأقل الخسائر: من الضروري قبل أي تنازل في علاقة الحب إيجاد التقارب بين الاحتياجات والرغبات، ومعرفة أيهما يمكن التنازل في. ففي الحب ليس من الضروري أن ننتصر، بل يكفي أن نرى شريكنا سعيدًا.
التنازل في الحب يتطلب المرونة والموازنة بين القلب والعقل. إذا لم تكن مستعدًا للتنازلات بكامل إرادتك العقلية والعاطفية فمن الأفضل ألّا تخوض هذه التجربة كي لا تشعر بالندم فيما بعد. لذلك يجب أن يكون الهدف الأول لتنازلاتك هو تحسين العلاقة وخلق حياة أسهل. التنازل أحيانًا لا يكون سهلًا، لذا يجب أن يكون طرفا الحب مستعدين لتقديمه كي يحدث التناغم الحقيقي بين الشريكين.