إدارة حياة

هل أنت مدمنٌ لعملك؟

يصف نابليون بونابرت الحياة بلا عمل بأنها عبءٌ لا يُحتمل. من المهم جدًا أن ينتمي الإنسان إلى عمله وأن يكون شغوفًا به بالطبع. لكن بعضنا يصل في عمله إلى مرحلة الإدمان، بحيث يُصبح عمله مسيطرًا عليه طول الوقت وبشكلٍ مفرط، خاصةّ إذا كان هذا بدافع الملل من الحياة إذ يشعر هذا الشخص بالفراغ إن لم يكن مُواصلًا لعمله حتى في خارج أوقات العمل. وعلى الرغم من أنّ هذا الوقت أصبح فيه العمل أكثر سهولة، خاصة أنّه بالإمكان إنجاز العديد من الأعمال عن بُعد، ولكن الوجه الآخر لهذه الحقيقة يجعلنا لا نترك أعمالنا أبدًا مهما كان الزمان والمكان، مما يُسبب الكثير من الآثار السلبية على المستوى النفسي خاصة. ورغم ازدياد حالات إدمان العمل لدى العديد من الأشخاص، إلّا أنّ هذا الإدمان يُعدّ معيار نجاح في الثقافة المجتمعية، فالناس يعتبرون الشخص المدمن لعمله شخصًا مثابرًا وطموحًا. لكن ما هي تداعيات إدمان العمل ؟ وكيف أعرف إن كنتُ مدمنًا له  أم لا؟

المشاكل المرتبطة بإدمان العمل

على الرغم من أنّ الناس يعتقدون أنّ إدمان العمل يجلب لهم مكاسب مادية كثيرة، ويُمهد أمامهم الوصول إلى أهدافهم بسرعة، إلّا أنّ هناك مشاكل عدّة ترتبط بإدمان العمل. فالشعور بالاندفاع والحماس الدائم تجاه العمل، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعديد من الاضطرابات، خاصة أنّه يكون مصحوبًا بتزاحم الأفكار، والرغبة الدائمة ببذل جهود إضافية للحصول على التقدير من أصحاب العمل، وأهم المشاكل المرتبطة بإدمان العمل ما يأتي:

  • الشعور الدائم بالخوف من الفشل وعدم تحقيق الأهداف.
  • ربط الشعور بالسعادة بمقدار ما يتم إنجازه من عمل.
  • السعي الدائم لإرضاء أصحاب العمل والمديرين، وإنجاز المزيد من الأعمال الإضافية على حساب الراحة الشخصية.
  • عدم الشعور بالرضى في أوقات الراحة، والرغبة الدائمة بالعمل، والشعور بالتوتر والقلق خارج ساعات العمل.
  • التأثير على الصحة النفسية والجسدية، والشعور بأعراض مرضية.
  • الشعور بالخوف الشديد من الوصول إلى سن التقاعد من العمل، واعتبار هذه المرحلة وكأنها نهاية الحياة.

علامات إدمان العمل

  • التحقق الدائم من البريد الإلكتروني الخاص بالعمل، والتأكد من عدم تأخر أية مهام حتى في أيام الإجازة.
  • تجاهل طلبات الآخرين بالتخفيف من ساعات العمل.
  • استخدام العمل كوسيلة للهروب من التفكير، أو للتخلص من القلق والتوتر.
  • تجاهل العائلة والأصدقاء لأجل إنجاز المزيد من مهام العمل، بالإضافة إلى التغاضي عن المشاركة في المناسبات الاجتماعية لنفس السبب.
  • التفكير الدائم في العمل، حتى خارج أوقات الدوام.
  • الامتناع عن أخذ الإجازات، وتفضيل العمل على الراحة.
  • التفكير الدائم بالعمل، سواء في البيت أو أثناء القيادة أو حتى وقت النزهة.
  • الاستعداد الدائم لأخذ بعض مهام العمل عن الزملاء، والذهاب إلى العمل حتى في أيام المرض، وإهمال الصحة مقابل إنجاز العمل.
  • إبقاء نفسك متاحًا للتواصل مع الزملاء والمديرين، حتى في غير أوقات العمل.

عوامل الخطر المرتبطة بإدمان العمل

  • زيادة نسبة الإصابة بالاكتئاب والاضطرابات النفسية، حيث تُشير الدراسات إلى أن النساء العاملات، اللواتي يمتنعن عن أخذ إجازات منتظمة، يكنّ معرضات للإصابة بالاكتئاب للضعف مقارنة بالنساء اللواتي يأخذن إجازة من العمل بشكلٍ منتظم. وقد تزيد هذه النسبة إلى ثمانية أضعاف.
  • الإصابة بالإرهاق الجسدي والعقلي.
  • الانعزال المجتمعي وفقدان الانسجام، وعدم الاختلاط بالعائلة والأقارب والأصدقاء نتيجة العمل لساعاتٍ طويلة.
  • تأثر الصحة الجسدية سلبًا. قد يكون هذا بسبب الجلوس الطويل أثناء العمل، أو العكس إذا كان العمل يتطلب الحركة والوقوف. وبحسب دراسة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA)، ّ فإدمان العمل يُضعف جهاز المناعة، ويجعل الشخص معرضًا للإصابة بالأمراض المعدية والمناعية بنسبةٍ أكبر نتيجة الضغط الجسدي والنفسي الذي يتعرض له.
  • إهمال باقي جوانب الحياة مثل: ممارسة الهوايات، والامتناع عن التنزّه والترويح عن النفس، وعدم إيجاد وقت لممارسة الرياضة.

طرق التغلّب على إدمان العمل

مما لا شكّ فيه أنّ إدمان العمل يُصبح حالة مرضية دائمة إذا لم يتم التغلّب عليه. ويزداد الأمر سوءًا بمرور الوقت. لهذا يجب محاولة التغلّب عليه ومعالجته في أسرع وقت، ومن أهم طرق التغلب على إدمان العمل ما يأتي:

  • خلق التوازن ما بين العمل والحياة الشخصية والاجتماعية. ويكون هذا بتنظيم جدول زمني لإنجاز المهام في ساعات معينة فقط دون تجاوزها.
  • تغيير المهنة في حال إيجاد عمل بساعات عمل أقل، مع مراعاة الجانب الاقتصادي في هذه الحالة.
  • طلب الدعم من الأصدقاء والمقربين، وممارسة الأنشطة والهوايات معهم بشكلٍ جماعي لتخفيف الشعور بالذنب أثناء ترك العمل.
  • تجنّب المحفزات والضغوطات التي تُسبب البقاء في العمل لساعاتٍ طويلة.
  • عمل تغييرات في أنماط الحياة، بحيث لا يكون العمل هو الأولوية الكبرى.
  • البحث عن طرق ومشاريع تُحقق الدخل المالي الإضافي دون الاضطرار للعمل المتواصل.

الحياة الصاخبة المليئة بالتجارب والذكريات البعيدة عن العمل، لن تزيد من فواتيرك ولن تزيد من ثروتك، لكنّها ستُضيف لك حياة غنية بالشغف والمرح. والبقاء لوقتٍ أطول إلى جانب العائلة والأصدقاء لا يُسبب الترقية في العمل، ولا يُسدد عنك الديون، لكنّه يشحنك من الداخل لتكون أقوى على مواجهة الحياة. وهذا ينطبق أيضًا على الهوايات التي تنسى أن تُمارسها وأنت منغمسٌ في عملك. الحياة أقصر من أن نقضيها خلف شاشات حواسيبنا أو لتنفيذ الأوامر التي يطلبها مدراء العمل فقط. لهذا، من الضروري جدًا الالتفات إلى النفس وموازنة الحياة من جميع جوانبها دون أن يطغى جانب على الآخر، فكما أنّ العمل وجني الأموال مهم، فالمرح والصداقة والاجتماع مع العائلة لا يُمكن تعويضه أبدًا بل وقد يكون أهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق