سلام نفسى

كيف تكون متصالحا مع نفسك؟

في كتابه الشهير “العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية”، يخبرنا ستيفن كوفي بقصة رجل التقاه في القطار، كان مسافرا مع أطفاله الذين أزعجوا كل الركاب بصياحهم ولهوهم المزعج والمربك. فقد كانوا يهرولون داخل العربة ويجذبون الصحف من أيدي الجميع، بينما لا يحرك الأب ساكنا.

وبعد فترة، غضب كوفي بشدة وقال للرجل إنه غير مسؤول، وسأله عن سبب عدم نهره أطفاله أو توجيههم بشكل أفضل، فأجابه الأب قائلا “أنا آسف، لكننا عدنا للتو من المستشفى حيث توفيت والدتهم، ولا أعرف كيف أتعامل مع الأمر، وأعتقد أنهم لا يعرفون كيف يتعاملون أيضا”، وهنا تمنى كوفي لو أنه انتظر قبل الحكم على سلوك الرجل وأطفاله.

لا شك أن هذه القصة لها صدى لدى الكثيرين منا، فنادرا ما نرى شخصا غريبا دون أن نصدر حكما عليه، خصوصا إذا كان من ثقافة مختلفة، ولهذا ندخل في علاقات غير جيدة مع الآخرين.

المصالحة مع النفس مفتاح علاقتك بالآخرين

لتكون على علاقة جيدة مع الآخرين، عليك أن تكون على علاقة جيدة بنفسك، وأن تقبل كل عيوبك وضعفك وهفواتك دون إصدار الأحكام على نفسك، وهذا ما يطلق عليه الخبراء “التصالح مع النفس”.

يجب ألا تعامل نفسك بقسوة وإهانة، فالتصالح مع نفسك يعني قبول الآخرين باختلافهم وتناقضهم، ليس لأنك يجب أن تحبهم، ولكن ببساطة لأنك يجب ألا تكرههم بأي شكل من الأشكال.

تذكر أن كلا من غاندي، مانديلا والأم تيريزا، أمثلة جيدة لأشخاص تمكنوا من العيش في تصالح أبدي مع أنفسهم، لأنهم اكتشفوا أن كراهية الذات هي أسوأ خطيئة يمكن أن يرتكبها الإنسان على الإطلاق.

النجاح لا يكمن في البحث عن السعادة بل في خلقها، لقد صنع هؤلاء الأشخاص العظماء سعادتهم في زنزانات السجون ومعسكرات الفقر.

كيف تكون متصالحا مع نفسك؟

يرى كثير من الناس صعوبة في أن يكون المرء متصالحا مع نفسه، لكن لحسن الحظ أن قبول الذات هو شيء يمكننا التدرب عليه. وهناك العديد من الأطباء والخبراء النفسيين الذي كشفوا عن أكثر من طريقة تمكنك من التصالح مع نفسك بها:


1. استحضر النية 

ابدأ التصالح مع النفس بالنية، وذلك وفقا للمعالج النفسي جيفري سومبر. يجب أن ننوي مع أنفسنا الاستعداد لنقل النماذج من عالم من اللوم والشك والخزي إلى عالم من التسامح والقبول والثقة.

2.  احتفل بصفاتك الجيدة

يقول عالم النفس جون دافي مؤلف كتاب The Available Parent، إننا نركز على أوجه القصور لدينا أفضل بكثير من أوجه قوانا، لذا إن كنت تواجه صعوبة في اكتشاف كل صفاتك الجيدة، فعليك تسمية صفة واحدة كل يوم. 

ابدأ بشيء أساسي مثل “أنا شخص لطيف”، “أنا نشيط في عملي“، أنا أساعد الآخرين”، “أنا مفيد لغيري”، ثم قم بإعداد قائمة بجميع الصعوبات التي تغلبت عليها، وجميع الأهداف التي أنجزتها، وجميع الاتصالات التي أجريتها، وكل شيء جيد قمت به في حياتك، واحتفظ بها في مكان قريب، وقم بمراجعتها بشكل متكرر.

 عندما يدرك الشخص أنه ذكي وخلاق وقوي ومتقن، تبدأ حياته في التحسن ويصبح متصالحا مع نفسه.

3. اغفر لنفسك

أخطاؤنا السابقة قد تمنعنا من التصالح مع النفس، لذلك إن اتخذت قرارات غير موفقة في الماضي، يجب أن تغفر لنفسك ذلك، وتتعلم أنه من المهم التعلم من الخطأ، وأن تقبل أنه لا يمكنك تغيير الماضي”.

وبدلا من الندم قل لنفسك: “لقد اتخذت أفضل قرار بالمعلومات التي كانت متاحة لدي في ذلك الوقت”، “قد لا يبدو السلوك أو القرار صحيحا في نهاية المطاف، ولكن في ذلك الوقت بدا لي أنه الخيار الأفضل”.

4. توقف عن نقد نفسك

كثير من الناس يعتقدون أن نقدهم لأنفسهم هو صوت العقل، وأنه يتحدث عن الحقيقة بكل بساطة، بينما يؤثر ذلك بشكل كبير على حياتهم ويفقدهم السلام النفسي، فهم دوما يلومون أنفسهم ولا يرون أي لمحة إيجابية فيما يفعلون.

وللتغلب على ناقدك الداخلي قل له بصدق “أنا إنسان فقط، أنا أبذل قصارى جهدي وهذا كل ما يمكنني فعله”.

5. قم بأعمال خيرية

عندما تضحي من أجل إسعاد الآخرين، ترى كيف أن أعمالك لها تأثير إيجابي على حياتهم، ولا يتطلب الأمرة تضحيات جبارة لتشعر بذلك، فمجرد ابتسامة بسيطة في وجه طفلة تبيع المناديل مع منحها بضعة جنيهات قليلة، لترد لك الجميل ببسمة طفولية بريئة كفيلة بأن تدخل عليك السعادة وتجعلك متصالحا مع نفسك.

6. لا تحكم على الغير من خلال أفعالهم فقط

إن العيش في تصالح مع نفسك يعني التفكير في الواقع كما هو، وليس فرض معتقداتك وقوانينك عليها، أي أنه يجب ألا تعتمد على ثقافتك كأداة القياس الوحيدة لاستقامة الفرد أو المجتمع. 

عندما ترى شخصًا يفعل شيئا غير مناسب في رأيك، لا تحكم عليه أبدا بأفعاله. فقد أوضح الفلاسفة بعد 2000 عام من النقاش، أن جوهر المسألة لا ينتمي إلى الموضوع في حد ذاته.

7. فتش في ذاكرتك

لتطوير علاقة جيدة مع نفسك، يجب أن تتعمق في ذاكرتك، وأن تبدأ من جديد بأول شيء يمكنك تذكره، وأول شيء تعلمته، كما يتحتم عليك أن تمحو كل ذكريات العنف والحزن والقمع.

وفي النهاية، كلما شعرت أنك تفقد المصالحة مع ذاتك تذكر كلمات أغنية نادية مصطفى وتخيل أنك تغنيها لنفسك قائلا: “الصلح خير قوم نتصالح… وانسى اللي كان بيننا امبارح… لا تعاتبنى ولا أعاتبك… كتر العتاب مش في الصالح”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق