سلام نفسى

فخ التعاطف

التعاطف هو ما يجعلنا بشرا. إنه القدرة على الفهم والإحساس الحقيقي والتعرف على الموقف الخاص بالأخرين. وهو يسميه الطب النفسي “التقمص العاطفي”.

يصف جاستن باريزو المتخصص في تطوير الذكاء العاطفي وصاحب كتاب EQ Applied التعاطف على أنه الشعور بتفهم ومشاركة مشاعر وعواطف شخص آخر. وليس فقط مجرد الشعور بالشفقة عليه أو الحزن من أجله.

هذا الأمر بالطبع مفيد جدا في شتى نواحي الحياة. لكن ترى هل من الممكن أن يصبح التعاطف ضارا لنا؟

البروفيسور بول بلوم عالم النفس الكندي الأمريكي يرى أن التعاطف ضار للغاية، لذا خصص له كتابا كاملا بعنوان “ضد التعاطف دفاعا عن العطف العقلاني”، وذلك حتى لا يقع الشخص في ما يعرف بـ”فخ التعاطف”.

فخ التعاطف

هل رأيت مسلسل ” أوبرا عايدة” ليحيى الفخراني وحنان ترك؟

قصة هذا المسلسل توضح ما يعرف بالوقوع في فخ التعاطف بشكل كبير، فنحن نرى الدكتورة “عايدة” تتعاطف بشده مع المريض “شكري” المصاب بمرض السرطان، ونتيجة لذلك تشعر بآلام نفسية غير محتملة، لدرجة تدفعها إلى أن تنهي حياته لتخلصه من آلامه استجابة لطلبه.

هنا وقعت “عايدة” في الفخ الذي جعلها تخسر وظيفتها، وتتحول من طبيبة ناجحة إلى متهمة بالقتل في نظر القانون. هذا بالتحديد ما يعرف بـ”فخ التعاطف”، فهو يستدرجك رويدا رويدا حتى تقع في مشكلات لا حصر لها، فرغم أن التعاطف يمكن أن يحسن بشكل كبير من جودة علاقاتك بالآخرين، إلا أن الإفراط فيه يؤذيك أنت والآخرين.

وبحسب المتخصص في تطوير الذكاء العاطفي جاستن باريزو، فالذين يظهرون درجة غير طبيعية من التعاطف، غالبا ما يفتقرون إلى القدرة على تنظيم هذا التعاطف ويؤدي إلى عادات وعلاقات غير صحية.

ويقع كثير منا ضحية لـ “فخ التعاطف” وذلك حينما تؤدي القدرة على مشاركة مشاعر الآخرين إلى الإرهاق البدني والنفسي. على سبيل المثال، تُظهر الأبحاث أن الممرضات اللائي يعملن مع مرضى مصابين بأمراض خطيرة معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بـ”التعب الرحيم”، والذي يعرف بأنه “مزيج من الاستنزاف البدني والعاطفي والروحي المرتبط برعاية المرضى الذين يعانون من ألم كبير”.

قد يهتم مقدمو الرعاية الصحية في كثير من الأحيان باحتياجات المرضى أكثر من اهتمامهم باحتياجاتهم الخاصة، مما يضعهم بشكل أساسي على الطريق إلى الإرهاق.

ولكن.. هل الطبيب والممرضة فقط هم من يقعون عرضة لفخ التعاطف؟ بالطبع لا، فهناك أكثر ممن قد يقع في ذلك الفخ.

• مستخدمو السوشيال ميديا

حلل مركز بيو الأمريكي للأبحاث سلسلة من الدراسات ووجد أنه في بعض الحالات أدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى ارتفاع مستويات التوتر، وذلك لأن المستخدمين يصبحون أكثر وعيًا بتجارب الأشخاص في شبكتهم الاجتماعية.

فالتعرض المستمر لمشاكل الآخرين يؤدي إلى زيادة الضغط والإرهاق العاطفي ومجموعة من المشكلات الصحية الأخرى.

• الآباء والأمهات

مستخدمو السوشيال ميديا ومقدمو الخدمات الصحية ليسوا فقط من يقعون في فخ التعاطف، فهناك أيضا الآباء والأمهات. ولنا في شخصية “بابا عبده” التي قدمها الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي في مسلسل “أبنائي الأعزاء شكرا” خير مثال. فالرجل كان متعاطفا مع أبنائه الأربعة لدرجةٍ أنْسَتْهُ التفكير في نفسه، فأصبح الأبناء متواكلين عليه، وفي النهاية تعرض هو لصدمة كبيرة فيهم كادت أن تعصف به.

كيف نتجنب الوقوع في فخ التعاطف؟

  • إذا كان عملك يتطلب أن تبقى موجودا فيه لفترات طويلة من اليوم، فمن السهل الوصول إلى مرحلة الإرهاق العاطفي. ولتجنب هذه النتيجة، يجب أن تأخذ فترات راحة أقصر وأكثر تواترا لتسمح لنفسك بإعادة شحن بطاريتك.
  • إذا عدت إلى المنزل بعد يوم سيء للغاية، ستكون في أشد الحاجة إلى تعاطف زوجتك معك، لكن ماذا إن كانت هي الأخرى قد عانت من يوم رهيب في عملها؟

إذا تركت نفسك للتعاطف معها ولم تخبرها بما مر بك ستضغط على نفسك وقد تنفجر دون أن تدرك، والأفضل في هذه الحالة أن تقول شيئا مثل الآتي: “أنا حقا آسف لسماع ما مررت به من يوم عصيب؛ فلقد حدث معي الأمر نفسه أيضا! هل يمكننا قضاء بعض الوقت فقط في الاسترخاء؟ وربما في وقت لاحق يمكننا الذهاب في نزهة والتحدث عن كل شيء”.

يوضح هذا النوع من الاستجابة بوضوح احتياجاتك الخاصة لتلبية احتياجات شريكك، ورغم أن الأمر لا يستغرق سوى بضع ثوانٍ، إلا أنه يمكن أن يؤثر بشكل كبير على كيفية تمضية الساعات القليلة المقبلة.

  • ابدأ في تتبع مقدار الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي، أيضًا  قم بإجراء تقييم ذاتي صادق لكيفية شعورك بمجرد الانتهاء من تصفح تلك المواقع.

هل تجد أن وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بك تستنزفك عاطفيا؟

إذا كان الأمر كذلك قم بتحديد مدة للوقت الذي تستخدم فيه جهازك! اضبط المنبه وقم بالتخطيط لشيء يجب أن تفعله، وعندما ينتهي وقتك على مواقع التواصل الاجتماعي قم بإغلاق جهازك.

وفي النهاية يجب أن تتذكر أن للتعاطف القدرة على أن يساعدك في بناء علاقات أقوى مع الآخرين، ولكن فقط إذا كنت لا تحترق في هذه العملية. هناك قاعدة يعرفها من يسافر بالطائرة، وهي: يجب عليك التأكد من حسن ارتدائك قناع الأكسجين الخاص بك قبل محاولة مساعدة الآخرين على ذلك؛ وإلا فلن تساعد الكثير أو لن تستمر لفترة طويلة. وبالمثل، إذا فهمت عواطفك واحتياجاتك أولاً، واتخذت إجراءات لدعمها، ستكون في وضع أفضل بكثير يمكنك من مساعدة الآخرين بشكل أفضل.

لذا إذا وجدت نفسك تقضي وقتا أطول في التفكير في مشاعر شريكك أو أصدقائك أكثر من مشاعرك أنت؛ أو إن شعرت بالوقوع أسيرا في مشاعر شخص تحبه، فاعلم أن هذا هو الوقت لاتخاذ خطوة للوراء حتى لا تقع في فخ التعاطف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق