ثقافة العلاقات

عُذرًا يا حماوات يا فاتنات!

تظلّ العلاقة بين الحماة والكنة أو الصّهر من العلاقات المثيرة للجدل في أغلب الأحيان، والتي يشوبها الكثير من الاختلاف والتذبذب، خاصة أنّ الصورة النمطية للحماة هي صورة المرأة المتسلطة غالبًا، والتي تتدخل في كلّ شاردة وواردة في حياة ابنها أو ابنتها. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل إنّ معظم الأمثال في الموروث الشعبي تطرّقت إلى علاقة الحماة والكنّة تحديدًا ووصفتها بالخلو من أيّة محبة. ومن تلك الأمثال: “مثل ما في نار وجنّة، عمر الحماة ما بتحب الكنّة”. الغريب في الأمر أنّ ما يرسخ في ذهن المجتمع هو تأكيد لهذا المثل، إذ إنّ معظم الخلافات الزوجية يرمي بها أحد الأطراف سواء الزوجة أو الزوج على الحماة. وكما يقولون لا دخان بلا نار، ولا يخلو الأمر في بعض الأحيان من كون الحماوات بالفعل طرفا في المشاكل العائلية بين الأزواج والزوجات. إذا فما هو سرّ هذا المدّ والجزر في علاقة الحماة مع زوجة ابنها أو زوج ابنتها؟

تطوّر علاقة الحماوات مع زوجات أبنائهنّ وأزواج بناتهنّ

على الرغم من أنّ صورة الحماوات لم تزل تحتفظ بنمطيّتها في الأذهان، إلّا أنّ علاقة الحماوات بزوجات أبنائهنّ وأزواج بناتهنّ لم تبقَ بنفس الشكل. اختلفت الرؤى والأفكار ما بين الأمس واليوم، واختلفت معها تصرفات الحماوات وطريقة تعاملهنّ. جاء هاذ نتيجة لاختلاف ظروف الحياة. وأهمها عدم سكن الأبناء بعد الزواج في نفس بيت العائلة. فأصبحت فرصة التصادم بين الحماة والكنة أقل بكثير ومحدودة. التركيبة الشخصية أيضا للحماوات اختلفت واختلفت نظرتهنّ في التعامل مع زوجات الأبناء وأزواج البنات. ففي ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي لم تكن الغالبية العظمى من الحماوات متعلّمات، كما لم يكن لهنّ دور في الحياة العملية وخارج بيوتهنّ. فكنّ يُمارسن سُلطتهنّ بشكلٍ أكبر. وبتطوّر الزمن أصبحت أسباب التنافر بين الحماوات وزوجات الأبناء وأزواج البنات أقل حدّة، كما أصبح اجتماعهم أقل وأقصر، خاصة في ظلّ ظروف الحياة الحالية التي جعلت من زوجات الأبناء عاملات.

أسباب خلاف الحماوات مع زوجات أبنائهن وأزواج بناتهنّ

قد يظن البعض أنّ موضوع الحماوات وعلاقتهنّ مع زوجات وأزواج أبنائهنّ وبناتهنّ من الموضوعات المجتمع العربي فقط بصفته مجتمع مُحافظ على الروابط الأسرية وصورة العائلة النمطية. لكن في الحقيقة تحتفظ سُلطة الحماوات بمكانتها في الغالبية العظمى من مجتمعات العالم. أوضحت دراسة بريطانية أن نسبة الزوجات البريطانيات اللواتي يُعانين من مشاكل مع حماواتهنّ هي نسبة عالية، وأعلى بكثير من نسبة الأزواج الذين يتذمرون من حماواتهم. ولعل من أهم الأسباب التي تُسبب التوتر ما يأتي:

  • شعور الحماة بالغيرة على ابنها من زوجته، وإحساسها بأنّها فقدت اهتمامه. هذا بحدّ ذاته نوع من التملّك غير الصحي.
  • رفض الحماة لزوجة ابنها أو زوج ابنتها منذ البداية، أي عدم رضاها عن الزواج رضا كاملًا، وشعورها بأنّ كنّتها أو صهرها قد فًرضوا عليها.
  • اختلاف الحماة مع الكنة أو الصهر على طريقة تربية الأحفاد، ورغبتها بتربيتهم على طريقتها، وتدخّلها الدائم في أيّ قرارٍ يخصّهم.
  • انتقاد الحماة الدائم لكلّ ما تفعله الكنّة أو الصهر، ويكون انتقادها غير مبرر أو منطقي في معظم الأحيان.
  • تدخّل الحماة الدائم في حياة ابنتها أو ابنها بعد الزواج، واطّلاعها على خصوصياتهم وفرض رأيها، ومراقبتها الدائمة لكلّ ما يدور داخل بيوتهم.
  • وضع الحماة نفسها في موضع منافسة من زوجة الابن، وكأنها تُريد أن تتفوّق عليها في كلّ شيء وتأخذ منها أي اهتمام ممكن أن يُقدمه ابنها.
  • خوف الحماوات على أبنائهنّ وبناتهنّ من الانجراف وراء شريك الحياة، وتغيير العادات والتقاليد الخاصة بالأسرة، وبالتالي تغيّر العادات الاجتماعية التي ستعلّمها الأحفاد فيما بعد.
  • اتّهام الحماوات لزوجات الأبناء تحديدًا بأنّهنّ يُحاولن إبعاد الأبناء عن شؤون أهله وعائلته.
  • تمتّع الحماوات بالفضول الزائد لمعرفة تفاصيل حياة أبنائهنّ وبناتهنّ بعد الزواج.
  • عدم تمتّع الأبناء والبنات بالاستقلالية بعد الزواج، واتباع إرشادات الأمهات ونصائحنّ سواء صحيحة أم خاطئة؛ خاصة في ظلّ انتشار وسائل التواصل التي جعلت الحماوات على اتّصال مباشر وفي أيّ وقت مع أبنائهنّ وبناتهنّ.

كيف يُمكن توطيد العلاقة مع الحماوات؟

إذا أردنا أن نكون منصفين في تحديد العلاقة الأقرب للمثالية بين الحماوات وزوجات أبنائهنّ وأزواج بناتهنّ، لا بدّ أن نتذكّر أن الحماة هي الطرف الذي ينال التعاطف في معظم الأحيان مهما كانت متسلّطة أو متطفلة؛ خاصة أنّها الأكبر سنّا. هي التي تملك مكانة لا يُمكن المساس بها في ذهن ابنها أو ابنتها بصفتها الدائمة أنها الأم، وهذا بحدّ ذاته يفرض لها احترامها الخاص الذي يُجبر زوجة الابن وزوج البنت وعلى الكل احترامها واحتوائها والتغاضي عن أي تطفل تقوم به في حياة أبنائها وبناتها المتزوجين، حتى أنّ معظم الأبناء والبنات يرفضون بشكلٍ قاطع شكوى الزوجات والأزواج من الحماوات، ويعتبرونه نوعًا من الكذب. لهذا فمن الأفضل إيجاد طريقة للوصول إلى علاقة متوازنة مع الحماوات بدلًا من الخوض في نزاعات لا تعود بالخير على العائلة أبدًا. من أبرز طرق توطيد العلاقة مع الحماوات كما يأتي:

  • تبادل الأحاديث الودّية مع الحماوات، وعدم معارضتها بشكلٍ مطلق بحيث يكون باب الحوار مفتوحًا وودّيًا في جو من الحب والاحترام.
  • الاهتمام بالمناسبات المهمة للحماوات مثل: ذكرى الميلاد ويوم الأم. ومهاداتها بما تُحب. ومهما كانت الهدية رمزية فإنّها ستترك أثرًا طيبًا في نفسها.
  • إشعار الحماة بأهمّيتها واستشارتها في العديد من الأمور التي تخص البيت والعائلة وتربية الأبناء وطريقة طبخ بعض الأطباق، مع عدم ضرورة تنفيذ رأيها إن لم يكن صوابًا أو مقنعًا.
  • معاملة الحماوات معاملة شبيهة بمعاملة الأم قدر الإمكان. وفي الوقت نفسه يكون على الحماوات معاملة زوجة الابن كابنتها، ومعاملة زوج ابنتها كابنها أيضا.

كما أن للحماوات أيضا بعض ما يمكنهن فعله لتحسين العلاقة

  • محاولة تفهم أهمية احترام خصوصية الابن والابنة قدر الإمكان، وعدم التدخّل في حياتهم بعد زواجهم أو فرض رأيها.
  • الحفاظ على مسافة آمنة واحترام خصوصية أزواج أبنائها.
  • عدم تحكمهن في أبنائهن وأزواجهن من حيث من يصادقون أو كيفما يتصرفون.
  • عدم تدّخل الحماوات في مواضيع كالإنجاب ونوع الأطفال المحبب لديها وما إلى ذلك.

مسؤولية توطيد العلاقة بين الحماوات وأزواج أبنائها على جميع أطراف العائلة. بدأت الكثير من المجتمعات بالتنبّه إلى هذا الأمر. وفي محاولة للتخفيف من الصورة المشوّهة للحماوات، قررت مجموعة من الحماوات الهنديات اللواتي يزيد عددهنّ عن خمسمائة تأسيس منتدى يُروّج لبرامج تليفزيونية شعبية تنقل صورة إيجابية عن الحماوات. حظي هذا المنتدى بدعم من جمعية إنقاذ العائلة الهندية، وعمل على عكس الصورة التي توضحها الدراما التيلفزيونية عادة، والتي تُظهر الحماوات شريرات. كما بيَّن حقيقة تعرّض الحماوات للظلم والعنف اللفظي في كثير من الأحيان. برغم أنّ السلطة الأقوى تبقى في الأغلب للحماوات.

لهذا عزيزاتي الحماوات، اعلمن جيدًا أنكنّ لستنّ في موضع منافسة مع زوجات الأبناء أو أزواج البنات. فمكانتكنّ المميزة في قلوب أبنائكنّ وبناتكنّ لا يمكن المساس بها. ويا حبذا إن تنظرن نظرة موضوعية إلى هذه العلاقة التي من المفترض أن تكون قائمة على الودّ والاحترام والاستقرار. الحماوات يمتلكن من الخبرة أكثر بكثير من الخبرة التي تملكها زوجات الأبناء، ولهذا فالاحتواء هو قارب النجاة. التغاضي عن الأخطاء لا يُقلل من كرامة أحد. والتسامح يجعل العلاقات أكثر نقاءً. لهذا، حاولن يا أن تكُنّ أمهات ثانيات بكلّ ما تحمله كلمة أم من طيبة وحب، وأن تعززن طموح شركاء حياة أبنائكنّ، وتدعمنهن، لأنّ اختلاف وجهات النظر في الحياة يجب ألّا يُفسد للودّ قضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق