عندما تأتى الأحزان
الحزن شعورٌ إنساني يمرّ به الجميع، وهو شعورٌ شبه يومي. قد يكون الحزن كبيرًا أو صغيرًا، وقد يكون نتيجة خيباتٍ متكررة أو مشادات كلامية أو فقدان لشخصٍ عزيز أو حتى حيوان أليف، أو الفزع من شيءٍ ما، أو الفشل في الوظيفة أو الدراسة. الحزن من العواطف التي تحلّ بالناس نتيجة ظروفٍ ترتبط بالخيبات والموت والفشل والفراق، وغير ذلك من الأسباب التي تجعله في بعض الأحيان يُلازم الناس لفتراتٍ طويلة، علمًا أنّ هناك درجات متفاوتة من الحزن، وقد يتلاشى بسرعة في بعض الأحيان، أو قد يستمر، ويعود هذا الاختلاف إلى السبب الذي أدى إلى الحزن أو إلى شخصية من أُصيب به أو إلى الظروف المحيطة بالشخص، وقد يتطوّر الحزن في بعض الأحيان ليُصبح حالة نفسية مستعصية، خصوصًا إذا سُمح له بالبقاء، لكن هل تتلاشى الأحزان سريعًا؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من الاطّلاع على العديد من المعلومات.
الأعراض المُرافقة للحزن
يستخدم مختصو الصحة العقلية دليلًا تشخيصيًا وإحصائيًا للرابطة الأمريكية للطب النفسي. والتي تُعرف بمعايير (DSM-5) للمساعدة في تحديد ما إذا كان شخص ما حزينًا أو مكتئبًا، حيث يترافق الحزن عادةً بالعديد من الأعراض، التي قد يكون بعضها أعراضًا شبيهة بأعراض الاكتئاب، لكن الفرق بينها أنّ أعراض الحزن يجب ألّا تستمر أكثر من أسبوعين، لأنّها إذا استمرّت أكثر سيتحوّل الحزن إلى حالة من الاكتئاب، ومن هذه الأعراض ما يأتي:
- عدم القدرة على الضحك أو التفاعل مع الأحداث المبهجة، وانعدام الشعور بالراحة، والشعور المستمر بالضيق والرغبة بالبكاء.
- عدم الاستمتاع بأي شيء، وفقدان الشغف والحماس تجاه الأشياء التي كانت تُثير المتعة سابقًا.
- الشعور بالتعب غير المبرر ونقص الطاقة الذي قد يكون مصحوبًا بآلام في الجسم، وهي آلام غير ناتجة عن سبب عضوي محدد، وإنما تكون ذات منشأ نفسي ناتج عن كبت مشاعر الحزن وأبرز هذه الأعراض: الصداع وآلام المعدة.
- حدوث تغيرات في أسلوب الحياة مثل الرغبة بالانعزال عن الناس، والبقاء وحيدًا طول الوقت، وعدم الرغبة في المشاركة في المناسبات الاجتماعية.
- عدم الرغبة في رؤية أي مظهرٍ من مظاهر الفرح، والنفور من الضحك والابتسامة، والنظر إلى الأشخاص الفرحين بنظرة اشمئزاز.
- فقدان القدرة على التركيز بسهولة، والإصابة بالتشتت الذهني، وضعف القدرات العقلية، فالطالب الذي يستسلم لمشاعر الحزن تتراجع درجاته الدراسية، والعامل الذي يستسلم للحزن تقلّ كفاءته في العمل.
- حدوث اضطرابات في الشهية، وعدم القدرة على الأكل في بعض الأحيان أو الإصابة بالشراهة في أحيان أخرى، لهذا فإنّ الشخص الحزين عادة يفقد الكثير من وزنه، أو يُصاب بحالة عكسية وهي زيادة كبيرة في الوزن.
- الإحساس بمشاعر الذنب غير المبررة وانعدام القيمة، لكن انعدام القيمة عادةً ما يكون شعورًا مؤقتًا ويتحوّل فيما بعد إلى شعور بالشفقة على النفس.
- الإحساس بالاكتئاب في معظم ساعات اليوم، وقد يمتد هذا الإحساس لأيامٍ.
- قلة الاهتمام بالأشخاص المفضلين، وعدم التفاعل مع الأحداث المختلفة، والإصابة بتبلد في المشاعر والأحاسيس.
كيفية التخلص من الأحزان
يلجأ بعض الأشخاص إلى الهروب من أحزانهم بطرقٍ أكثر سلبية تُؤثر على حياتهم بشكلٍ سيء كأن يُدمنوا المخدرات أو الكحوليات، أو يتخلّوا عن جميع أحلامهم لعزل أنفسهم في عالمٍ من اللامبالاة. التخلص من الأحزان لا يكون أمرًا سهلًا في كثيرٍ من الأحيان، ولا يوجد وصفة سحرية للتخلص منها بلحظة، بل إنّ التخفيف يكون بالتخلّص من السبب الذي أدّى إليها -إن أمكن ذلك- لأنّ الكثير من الأحزان لا يمكن أن نمنع حدوثها لأنّ أسبابها خارجة عن أيّ إرادة، لهذا فإنّ معرفة التأقلم مع مشاعر الأحزان لتخطّيها أو التخفيف منها يكون كما يأتي:
- عدم الاستمرار في التفكير بالحزن والسبب الذي أدّى إليه، ومحاولة الانشغال بما يُقلل من الشعور المؤذي المرافق له.
- إشغال الوقت ما هو مفيد، وممارسة الأنشطة المحببة للنفس لتخطّي الحزن بأقصى درجة ممكنة.
- الجلوس مع الأشخاص الإيجابيين الذي يبثون الأمل والتفاؤل في النفس، ويُقللون من أهمية الأسباب التي أدّت إلى الحزن.
- تنمية الجانب الروحي لدى الشخص الحزين، ومعرفة أنّ الأحوال لا تدوم وأنّ الحزن لا يمكن أن يستمرّ، ولا بدّ أن تتبدل الظروف يومًا ويتغير الحال.
- الاستماع إلى الموسيقى المبهجة، خاصة أنّ بعض الأشخاص تُساعدهم الموسيقى في التخلص من الأفكار السوداوية.
- إدخال بعض أنواع الأطعمة إلى النظام الغذائي، خاصة التي تحتوي على أحماض الأوميغا 3، ففي دراسة أُجريت عام 2002 أظهرت أرشيفات الطب النفسي العام أنّ بضعة غرامات من زيت السمك في كل يوم تُظهر انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 50% في الأعراض المصاحبة للحزن مثل: القلق واضطرابات النوم ومشاعر الحزن غير المبرر.
- محاولة التعبير عن مشاعر الحزن بأي طريقة مثل: الكتابة على ورق أو الحديث إلى شخص مقرّب أو حتى البكاء، إذ أثبتت العديد من الدراسات أنّ البكاء يُساهم في تقليل كمية المشاعر المكبوتة بسبب الحزن، ويُقلل من التوتر، ويمنح شعورًا بالارتياح في معظم الأحيان.
- ممارسة تمارين الاسترخاء مثل: رياضة التأمل “اليوغا”، والاستحمام بالماء الدافئ، حيث أظهرت العديد من الدراسات أنّ الاستحمام بالماء الساخن يمنح الجسم الاسترخاء الكبير والراحة.
- مساعدة العقل على اليقظة الذهنية، إذ تعمل هذه الطريقة بفعالية كبيرة على تحفيز العقل كي يعمل بالشكل الصحيح، وتحثه على ردّة فعل معاكسة ضدّ الحزن، وتزيد من الاستجابة الذهنية لتجاوزه.
- مواجهة مشاعر الحزن بدلًا من الهروب منها، وتحديد نوع الحزن وكيفية التعامل معه بحسب نوعه.
كيف نُخفف حزن الآخرين؟
تُشير العديد من الدراسات والإحصائيات إلى أنّ العديد من الأشخاص فقدوا حياتهم بسبب الحزن الشديد الذي كانوا يمرّون به، ولم يجدوا من يُخفف منه، فالحزن الذي يستمر لفترات طويلة يجعل صاحبه يُفكر بأفكار انتحارية. في إحصائية أجريت في الولايات المتحدّة، تبين أنّ الانتحار الناتج عن الحزن المسبب للاكتئاب يحتلّ مكانة متقدمة من بين الأسباب التي تُؤدي إلى الوفاة. فمن بين خمسة وعشرين شخصًا، هناك شخص واحد يموت انتحارًا بسبب الحزن، وآخرون يمرّون بمحاولات انتحار فاشلة. كما تشير التقديرات إلى أن 16.2 مليون من البالغين الأمريكيين قد عانوا من نوبة واحدة خطيرة على الأقل من الاكتئاب الناتج عن الحزن الشديد في مرحلة ما من حياتهم. لذا فإنّ تخفيف حزن الآخرين ليس بالأمر السهل في كثيرٍ من الأحيان، خاصةّ إذا كان سبب حزنهم عميقًا كفقدان شخصٍ عزيز. لكن يبقى بالإمكان مواساتهم ومحاولة جبر كسرهم بطرقٍ عدّة، أسهلها إظهار الاهتمام، ومواساتهم بالكلمات الطيبة التي تُشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم، وأنّ هناك من يشعر بأحزانهم. وأهم ما يجب فعله لتخفيف حزن الآخرين ما يأتي:
- إظهار التعاطف معهم لمساعدتهم في تجاوز الحزن بأسرع وقت ممكن، ومواساتهم بالشكل المطلوب. سواء بالأفعال أو بالكلمات.
- تفهم حزنهم، وعدم الاستخفاف بمشاعرهم أبدًا، وإرشادهم إلى طريقة التصرّف الملائمة لهم كي يتصرفوا بشكلٍ صحيح بعيدًا عن الاستهتار واللامبالاة الذي قد يزيد حزنهم.
- حثهم على الصبر، وذكر الكثير من الأمثلة حول الصبر لهم، وذكر القصص التي تُواسيهم وتُخفف عنهم.
- قضاء وقت أكبر معهم، فالشخص الحزين غالبًا يميل إلى أن يُفكر بطريقة سلبية إذا كان وحيدًا، أما وجود الأشخاص حوله يجعله يقضي الوقت دون التركيز على الحزن أو الأفكار السلبية.
خمس نصائح للتعامل مع الحزن
- اسمح لنفسك أن تكون حزينًا بشكلٍ معقول، لا تتمادى في حزنك، ولا تكبت مشاعر الحزن داخلك.
- اذرف الدموع إذا وجدت نفسك بحاجة إلى البكاء، فالبكاء يُخفف الحزن.
- فكّر بسبب حزنك بطريقة إيجابية قدر الإمكان، انظر إلى الجانب المضيء بعد أن تُفتّش عنه جيدًا في أعماق حزنك.
- فكّر في التغيير الذي قد يحدث لو أنّك لم تُعطٍ حزنك أكبر من حجمه، لا بدّ ستتغير نظرتك الحزينة إلى نظرة ثقة بنفسك لأنّك تغلّبت على حزنك ولم تدعه يغلبك.
- لا تسمح للحزن أن يتحوّل إلى اكتئاب بأن تدعه يمكث طويلًا في قلبك.
مشاعر الحزن لا تُؤثر فقط على الجانب النفسي للإنسان، بل يُساهم الحزن أيضًا في الإصابة بالعديد من الأمراض العضوية، خاصة أنّ المشاعر السلبية المرافقة له تُسبب ارتفاع هرمونات التوتر وأبرزه االكورتيزون، وهذ ابدوره يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم، وغيرها من الأعراض العضوية. لهذا فإنّ محاولة التخلص من مشاعر الحزن يجب أن تتم بجدّية، وألّا يستسلم الشخص لأحزانه وآلامه، لأنّ الاستسلام للحزن يعني السماح له بالبقاء أطول، والخاسر الوحيد هو أنت. الحزن ضيفٌ ثقيل فلا تفتح له أبوابك ولا تنصب له خيمة في بيتك، بل افتح له نوافذ الخروج واجعل أبواب روحك مشرعة في كلّ وقت لاستقبال الفرح.