طرق التفاؤل وسبل تجنب التشاؤم
التفاؤل والتشاؤم صفتان متضادتان. ولكل صفةٍ منهما ظروفٌ وحالات تجعل الإنسان يفكر بطريقة تؤثر على جميع جوانب حياته. فالإنسان المتفائل هو الذي ينظر للحياة بعين الفرح والأمل، ويستطيع أن يجد حلًا في كلّ مشكلة، أحيانًا ينظر الناس إلى المتفائل بأنه شخصٌ يرى الحياة باللون الوردي من باب المبالغة في الوصف! أما التشاؤم فهو توقع الأسوأ والنظر إلى الأمور من زاوية سوداوية. لذا، في هذا المقال سنستعرض أسباب النظرة التفاؤلية أو التشاؤمية لدى الأشخاص، وكيف يمكن التحكم بها؟
التفاؤل والتشاؤم كصفات مزاجية
يُوصف كلً من التفاؤل والتشاؤم من قبل علماء النفس بأنهما من السمات الشخصية التي تتبلور اعتمادًا على التجارب البشرية التي يمر بها كل شخص، وهما مبنيّان على التوقع بالدرجة الأولى. فالمتفائل يبني تفاؤله على توقعه الأحداث المستقبلية وكذلك المتشائم: بحيث يكون التفاؤل والتشاؤم مرتبطًا باحتمالية تحقيق الهدف. ولأنّ الأهداف عرض للتغيير فإنّ الشخص قد يتحوّل من حال التفاؤل إلى التشاؤم والعكس. إذا فما هي أبرز الصفات المزاجية للمتفائل والمتشائم؟
- المتفائلون يتوقعون نجاحهم في تحقيق الأهداف أكثر من المتشائمين، بينما المتشائم قد يتخلى عن تحقيق هدفه تمامًا إذا واجه صعوبات شديدة. وعلى سبيل المثال قد يتعامل طالب جامعي متفائل مع درجة ضعيفة في الاختبار بمقابلة المعلم ومراجعة أسلوب دراسته من أجل الاستعداد بشكل أفضل، أما المتشائم فإنه يُسقط المادة أو يستسلم للرسوب.
- المتفائلون أكثر قدرة على التكيف مع الظروف والأحداث مقارنة بالمتشائمين الذين يشعرون بالارتباك وعدم القدرة على التصرف.
- يميل المتفائلون إلى أن يكونوا أكثر ثقة في مواجهة الشدائد من المتشائمين، وأكثر إصرارًا في السعي لتحقيق أهدافهم.
- المتفائلون أكثر قدرة على التخطيط عند التعامل مع مختلف الظروف، ولديهم قدر أكبر من التركيز، ويميلون لتقبل بالمواقف المعاكسة بيسر أكبر من المتشائمين.
- المتفائلون لديهم قدرة أكبر في الاستفادة من المواقف، وهم أكثر قدرة على التطور والنمو.
العلاقة بين الصحة والتفاؤل والتشاؤم
تُشير الدراسات إلى علاقة وثيقة بين الصحة الإيجابية وبين التفاؤل، بينما المتشائم فهو أكثر عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض. وقد بينت الدراسات صلة بين تفاؤل وتشاؤم الفرد وبين صحته من خلال إحصائيات كثيرة. من بينها دراسات نشرتها جوليا بوم ولورا كوبزانسكي تضم أكثر من 200 دراسة منشورة للتحقيق في الصلة بين النظرة النفسية الإيجابية “التفاؤل والرضا عن الحياة والسعادة” وصحة القلب والأوعية الدموية. وجاء ضمن ما أظهرته نتائج الدراسات أن:
- التفاؤل مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بانخفاض معدل الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وكلما كان الفرد أكثر تفاؤلًا انخفض معدل إصابته بأمراض القلب بنسبة 50% مقارنة بالأفراد المتشائمين.
- هناك رابطًا بين التفاؤل وتكوين الكوليسترول في الدم، إذ يوجد لدى الأفراد المتفائلين مستويات أعلى من الكوليسترول الجيد ومستويات أقل من الدهون الثلاثية مقارنة بالمتشائمين.
- النساء الأكثر تفاؤلاً أقل خطرا بنسبة 9 ٪ للإصابة بأمراض القلب التاجية وبنسبة 14 ٪ لخطر الوفاة لأي سبب مقارنة بالنساء الأكثر تشاؤمًا.
- المتشائمين يواجهون مشاكل معرفية كثيرة تؤثر على قدرتهم على التعلّم، وهم أكثر عرضة للاكتئاب والإصابة بالأمراض النفسية.
نظرية إسناد الأسباب
يحاول الأفراد تفسير الأحداث في حياتهم من خلال رد السبب إلى أحد الأبعاد الثلاثة التالية:
“داخلي خارجي”
يُشير البعد الداخلي الخارجي إلى إن كان الحدث ناتجًا عن أفعال الشخص نفسه أو كان نتيجة لقوة خارجية.
“مستقر مؤقت”
ويشير البعد المستقر المؤقت إلى إن كان سبب حدث معين سيظل مستقرًا لفترة طويلة أو سيكون عابرا
“عالمي محدد”
يشير البعد العالمي المحدد إلى إن كان سبب الحدث سيؤثر على العديد من مجالات حياة الشخص أو منطقة معينة فقط أم لا.
التفاؤل الفردي والتشاؤم الاجتماعي
يتأثر تفاؤل الفرد وتشاؤمه بالمجتمع الذي يعيش فيه والأخبار المتداولة وخاصة على المستوى العام. لهذا فإنّ التحدّي الأكبر هو أن يُحافظ الفرد على تفاؤله وسط التشاؤم الاجتماعي الكبير الناتج عن الأحداث السيئة على مستوى العالم كالحروب والمجاعات أو انتشار الأمراض وأحدثها مؤخرًا جائحة كورونا التي أثرت على طريقة تفكير الأشخاص وجعلت البعض أكثر تشاؤمًا! ولكن يمكن الحفاظ على التفاؤل الفردي وسط التشاؤم المجتمعي من خلال:
- عدم الاكتراث للتضخيم الكبير الذي تبثه وسائل الإعلام حول الأخبار والأحداث المختلفة.
- تجنب التركيز على الأحداث والتغييرات السريعة التي تتلاشى خلال وقت قصير، والتركيز على الأحداث البطيئة التي يمكن التحكم بها.
- السيطرة على الحياة الشخصية بشكلٍ أكبر، إذ يُشير مارتن سيليجمان، أستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا، إلى وجود صلة بين السيطرة والتفاؤل، فإذا شعرنا بالتحكم الكبير في حياتنا سنكون أكثر تفاؤلًا وسعادة بشأن المستقبل.
- محاولة ردم الفجوة بين التفاؤل الفردي والتشاؤم الاجتماعي بالسعي إلى مستقبل أفضل، وعمل شيء يفيد العالم ويقلل من المآسي التي فيه.
الناس عمومًا يميلون أن يكونوا أكثر تفاؤًلا وهم في البدايات، ولكن يأتي التشاؤم غالبًا عندما يتغلغلون في أعماق الأحداث. فإذا طلبنا مثلًا من أفراد متزوجين حديثًا تقدير احتمالية طلاقهم في المستقبل، فالاحتمال الأقوى أن يرفضوا هذا الاحتمال تمامًا، ولو طلبنا من المدخنين بتقدير فرص الإصابة بالسرطان سيقلل معظمهم من أخطاره بالطبع، ويستمر هذا التفاؤل عادة حتى يواجهون أول عقبة. فتبدأ طريقة تفكيرهم بالتغير! في استطلاعات يوروباروميتر للاتحاد الأوروبي، تبيّن أنّ توقعات الناس حول وضعهم الوظيفي الشخصي والوضع الاقتصادي في وطنهم في بداية العام متفائلة أو مستقرة بنسبة 60٪، ولكن مع منتصف العام تبدأ هذه النسب بالتدني ويميلون إلى التشاؤم.
تنمية التفاؤل
من المهم جدًا أن يتحلّى الناس بالنظرة التفاؤلية المنطقية البعيدة مقابل المغالاة. أي أن يكون التفاؤل مبنيًا على أسسٍ صحيحة حتى لا يُصاب الشخص بخيبات الأمل. وعلى الرغم من أنّ دراسات قليلة ربطت بين العامل الجيني الوراثي للتفاؤل والتشاؤم، فالعلماء لديهم تقديرات بأنّ 0.25 فقط من القدرة على التفاؤل أو التشاؤم قائمة على أساس جيني. ورغم هذا يستطيع الفرد أن ينمي لديه روح التفاؤل عن طريق الآتي:
- الخروج من عباءة الماضي وعدم ربط الأحداث المستقبلية بما حدث بالماضي، وخاصة تجارب الفشل والتعرض للعنف.
- تعلّم مناقشة الأفكار السلبية للتخلص منها، ووضع حلول مناسبة للمشكلات، والبحث عن أدلة تدعم فرضيات النجاح وتحقيق الأهداف.
- بناء علاقات اجتماعية متوازنة محاطة بالأشخاص الإيجابيين المتفائلين، وتجنب الأشخاص المحبطين أصحاب النظرة السلبية التشاؤمية.
- الحصول على الدعم النفسي من المعالجين النفسيين أو المرشدين النفسيين في حال الشعور بعدم القدرة على التفاؤل أبدًا. إذ قد يحتاج البعض إلى تناول مضادات الاكتئاب إذا كانت نظرته تشاؤمية طوال الوقت.
- تجنب استخدام استراتيجيات قمع التفاؤل التي يحاول فيها البعض التركيز على الأحداث السيئة فقط، وزيادة استخدام التفكير الإيجابي من خلال تعزيز الثقة بالنفس.
- تقوية المناعة النفسية بعدة طرق مثل: ممارسة الرياضة والأنشطة التي تحفز التفاؤل والتفكير الإيجابي، والاعتماد على أسلوب التغذية العلاجية من خلال تناول الأطعمة المحفزة لإنتاج هرمونات السعادة مثل: الشوكولاتة الداكنة والفراولة.
- التدرب على الانخراط في التفاؤل بشكلٍ متكرر، وعدم توقع الأسوأ مهما كانت الأحوال. التدريب على التفاؤل يأتي من ممارسة عدة أفعال تمنح الشعور الإيجابي مثل: مساعدة الآخرين وتكوين الصداقات وزيارة الأقارب وزيادة الرفاهية الذاتية بالاستمتاع بالطبيعة مثلًا.
تقول هيلين كيلر: “التفاؤل هو الإيمان الذي يؤدي إلى الإنجاز. لا شيء يمكن أن يتم دون الأمل والثقة” فالتفاؤل يقوي الشعور بالحياة ويحفز على الإنجاز، ويمنح القوة للدافعية. على عكس التشاؤم الذي يبعد الإنسان عن فعل أي شيء ويعطيه شعورًا بالتعاسة! لهذا، يجب أن يكون التفاؤل منهج حياة وليس مجرّد خيار في حياتنا.