إدارة حياةسلام نفسى

حقيقة السعادة في العطاء

لن تشعر أبدا بحقيقة هذا المعنى إلا إذا داومت عليه، لا جربته مرة أو اثنتين فقط. العطاء لا ينبع إلا من قلب مؤهل ليكون منبعا أهلا له. في الحقيقة، قد تجد من الناس من مُلِّك مفاتح كنوز على أشكالها ولكنه لا يملك منبعا للعطاء. وهنا يكمن المعنى الحقيقي للغناء. فالغناء حقا غناء النفس لا المال.

كثيرا ما نسمع مقولة: “الفقراء المعدومين، يحسنون إكرام ضيوفهم، عكس من فعلا يقدرون على الكرم!” أتعلمون إلاما يرجع السبب؟ يرجع لعمق إحساسهم بفرحة الإطعام والتحصل على قوت اليوم. فالطعام حقا، أفضل رزق يرزقونه، ربما يكمن السر هنا. وبالتالي، فمشاركتهم الطعام مع ضيوفهم هو مشاركتهم السعادة والإخاء لا فقط الطعام. والغريب أنهم قد لا يملكون غيره فعلا وحتى اليوم التالي! فما السر يا ترى، وراء عطائهم؟ ولماذا لا يبخلون بما تعبوا في التحصل عليه؟

6 أسرار أسباب لعلاقة السعادة بالعطاء

  • اكتشف علماء أنه عندما نعطي ما نحبه للغير سواء من مال أو طعام تزيد لدينا معدلات السعادة أكثر م عندما نستأثر بأرزاقنا لنا وحدنا! في دراسة أجراها خورخيه مول في 2006 في معاهد الصحة النفسية الأمريكية، وجد أن العطاء يحفز نشاط الفصوص الدماغية المسؤولة عن السعادة ومناطق التواصل الإنساني والثقة وغيرها الكثير من المنافع الأخرى.
  • العطاء يحسن من صحتنا ويقلل من فرص موتنا أبدر! وجد الأستاذ ستيفن بوست، من كلية الطب في جامعة ستوني بروك أن العطاء يحسن الصحة وحتى لدى من يعانون من أمراض مزمنة حتى الإيدز. وفي دراسة أخرى في 1999 من جامعة كاليفورنيا، في بركلي، وجد دوغ أومان أن كبار السن الذين كانوا يعطون أكثر أو يتطوعون في أعمال خيرة أكثر هم أقل عرضة للموت عن غيرهم لمدة تمتد لخمس سنوات حتى ولو كانوا غيرهم من ممارسي الرياضة والمهتمين بالصحة! وأكدت هذه الحقيقة عدة دراسات أخرى.
  • العطاء يزيد المحبة والمودة بين الناس، ويصبحون أقرب وأكثر اهتماما ببعضهم البعض ويزيد التعاون بينهم.
  • العطاء يحفز فضيلة الامتنان، وهي بدورها تحسن المزاج وتزيد مستويات الرضا والسعادة.
  • العطاء يحفز الغير على العطاء فيزيد التعاون وتسهل الحياة ويتعلم الصغار هذه الخصلة بالمحاكاة.
  • العطاء يجعلنا نحب أنفسنا أكثر ونتقبلها أكثر ونرحمها.

هناك عمل أدبي ألفه الطبيب النفسي أبراهام تفرسكي اسمه “الحب الحقيقي، هو حب العطاء.” تدور القصة حول ثلاثة نقاط أولها، مرور أحد كبار السن بشاب يأكل السمك، فيقول له ماذا تأكل، فيرد السمك، فيسأل لماذا السمك؟ فيرد: “لأنني أحبه!” وهنا يرد العجوز قائلا: “بل تحب نفسك، لأنك إن أحببت السمكة فعلا، لما أخرجتها من الماء وقتلتها وطبختها لتأكلها!” الأمر كذلك عند الارتباط بمن تظن أنه يملك جميع ما تحتاجه. ولكن هل فكرت أنك تتحدث عما “تحتاجه” أنت لا هو! هذا ليس هو الحب الحقيقي، فالحب الحقيقي يكون عندما تفكر فيما “يحتاجه” الآخر أولا لا أنت!

ويستتبع تفرسكي قائلا، أنه بعطائنا شيئا منا لغيرنا فنحن نعطي من نحب جزءا منا، نزرعه بداخله، فنحب فيه ما هو منا. وبالتالي، فهو منا دائما.

لذا، إليكم تلك الحقائق الطريفة عن العطاء

  • وفقا لتقرير العطاء في أمريكا لعام 2012، الذي قام به ستيف مكلوفن نائب رئيس البيانات والدراسات التحليلية، ارتفع معدل العطاء حول العالم بنسبة240% في العشر سنوات الماضية (منذ 2001)!
  • أستراليا، تلتها أيرلندا وبعدهم كندا هم الدول الأكثر عطاءا وفقا لمؤشرات موقع سي أيه إف (Charity Aid Foundatino) 2012.
  • العطاء يعطيك السعادة حتى بالتفكير فيه فقط! ليس غريبا على العطاء، أليس كذلك!
  • من يعطون يحصلون على كل ما سبق من منافع نفسية وصحية بينما لم تكتب أبدا الدراسات عن المنافع التي يحصل عليها متلقي العطاء!
  • الشهور الأعلى في تسجيل أعمال العطاء هي ديسمبر ويونيو.
  • في عام 2016، جمعت مؤسسات أمريكا الخيرية وحدها حوالي 400 مليار دولار أمريكي!
  • العالم يتجه بخواط سريعة نحو التعامل الإلكتروني في التبرعات.
  • تقول إحدى العاملات بشركة ما، أنها كلما كانت تتبع حمية ما كانت تجوع جدا، إلا عندما بدأت أن تتشارك الطعام مع غيرها، فأصبحت تشعر بسعادة أكبر وشبع أكبر.
  • من العطاء أيضا أن تعطي غيرك الفرصة ليوضح مشاعره وأفكاره لا سيما في الأوقات العصيبة التي لا يجد فيها من يسمعه، فهناك عطاء نفسي.
  • تقبل العطاء لا يقلل من قيمتك أبدا حتى ولو بشيء بسيط. فللغرابة، قد نجد من يرفضون تقبل أي شيء من الغير قائلين بأنهم لا يحتاجون! ولكن، قد يكون أيضا تقبل الهدايا، خاصة أبسطها، من العطاء!

للأسف نحن لم نعتاد العطاء منذ الصغر بل اعتدنا نقيضه بالكامل. فنادرا ما تجد أحد الآباء يوصي ابنه بمشاركة طعامه مع أصحابه مثلا، أو مساعدتهم. قد يكونوا يفعلون هذا ولكن الضوء ليس مسلطا عليه. كما أن الأطفال يتعودون دائما على أخذ كل شيء من أبويهم ولا يقومون بشيء إلا نادرا. وتأتي المدارس وتفعل الأمر ذاته، فليس هناك حصص مثلا لتعلم مثل تلك الأخلاقيات المهمة بل والضرورية للمجتمع ولصحة المرء نفسه.

لذلك لنبدأ من الآن اعتياد العطاء وممارسته مع من يستحق ومن لا يستحق إن قدرنا، فالعطاء ليس دائما للفقراء والمحتاجين، لأن الحاجة ليست دائما للمادة فقط، بل للتبسم والإخاء والتقبل ومشاركة ما نحب من طعام وحديث وكل جميل حسب استطاعتنا. العطاء يعطينا مساحة لنكبر ونتطور ونحب أنفسنا وغيرنا ونعلم الحب لغيرنا. وبذلك، فالعطاء حقا في جوهره هو لأنفسنا لا لغيرنا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق