ثقافة العلاقات

تعرف على أسس النقد البناء

يقول فرانك كلارك: “النقد مثل المطر ينبغي أن يكون يسيراً بما يكفي ليغذي نمو الإنسان دون أن يدمر جذوره”. فالنقد البناء من أكثر الممارسات الإيجابية التي يُمكن تقديمها للآخرين. وهو  يندرج تحت النصيحة اللطيفة والكلمات الطيبة التي تُعطي انطباعًا لطيفًا عنّا لدى الآخرين كي يُحبونا ويتقبلوا نقدنا برحابة صدر. لذا فإنّ توجيه النقد البنّاء للآخرين يجعلهم يتقبلون كلامنا ويعملون به، وهذا بحدّ ذاته هو الهدف من النقد: أن يحدث تغييرا واضحا بالاتجاه الصحيح بعكس النقد الهدّام الذي يُسبب انزعاج الآخرين ونفورهم ورفضهم للنقد، وربما يزيد الأمر سوءًا ويُصبح هناك سوء فهم مع الشخص الذي وجّه النقدّ الهدّام. فإن لم تستطع أن تنقد الآخرين بشكلٍ بنّاء، فما عليك إلّا أن تلتزم الصمت ولا تعلق على شؤون الغير.

أهمية النقد البنّاء

يقول الدكتور “سيبيل كين” خبير علم النفس والعلاقات: “يمكن أن يكون النقد البناء ذا قيمة كبيرة طالما يتم التعامل معه بالطريقة المناسبة، ويمكن أن يكون ضارًا عندما يتم اعتباره اتهامًا للشخص المقابل”. ومن جانبٍ آخر هناك بعض الأشخاص لا يتقبلون النقد أبدًا، فهم يُفضلون المديح الكاذب على النقد البناء الذي يُساعدهم في تحسين قدراتهم وتفادي الأخطاء. لهذا تأتي أهمية النقد البناء في قدرته على إحداث الفرق، ففي الوقت الذي يكون فيه الشخص الآخر متخبطًا ومندفعًا ولا يعرف ماذا يفعل، يأتي النقد البناء له بمثابة إنقاذ وتوجيه لمنعه من الاستمرار في الوقوع في الخطأ. خاصة أنّ النقد البناء من أهم سبل زيادة تقبّل الآخرين للنصيحة والتوجيه.

وتأتي أهمية النقد البناء في نقاطٍ عدّة أهمها ما يأتي:

  • يُساعد الأشخاص على تجاوز أخطائهم وتقبّل نصائح الآخرين البنّاءة التي تُعزز أقوالهم وأفعالهم وتزيد إنتاجيتهم.
  • يُساعد في الحفاظ على العلاقات، ومنع حدوث سوء فهم بين الأشخاص.
  • يُحسّن مهارات الأشخاص ويُنبههم إلى أخطائهم بطريقة إيجابية.
  • يزيد من الإنتاجية ويُحسنها كمًا ونوعًا، ويزيد من ثقة الشخص بنفسه وبالآخرين، ويعزز مهارات التواصل.
  • يُشجع على الانخراط في حوار مثمر بين الشخص الناقد ومن يتعرّض للنقد، كما يُعزز مهارة الاستماع والحوار بين الأشخاص.
  • يُوضح للأشخاص الآخرين نقاط ضعفهم كي ينتبهوا إليها ويُعالجوها، مما يدفعهم للتحسّن والتطوّر.

قبول النقد البنّاء

الناس عمومًا يرفضون توجيه النقد لهم حتى لو كان هذا النقد بناءً. لكن طريقة توجيه النقد مهمة جدًا، فإذا كان توجيه النقد بطريقة لطيفة سيكون من السهل تقبله برحابة صدر، وبالمقابل فإنّ من واجب الشخص الذي يُوجَّه إليه النقد البناء أن يتقبل هذا النقد بعقل منفتح واستعداد كامل للتطوّر والتعلّم والتغيير. وكلما كان الشخص ذو قابلية للتغيّر والتطوّر، كان تقبله للنقد أفضل، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أنّ بعض الناس أصحاب شخصيات حساسة جدًا، تحتاج إلى أسلوب خاص لتوجيه النقد حتى لا يشعروا بأي مشاعر سلبية بعد توجيه النقد إليهم. كما أنّ بعض الأشخاص يُقابلون النقد مهما كان نوعه بأسلوب هجومي أو دفاعي، وربما انتقامي، لأنهم يعتبرون النقد حتى ولو كان بناءً بأنه انتقاصٌ منهم بشكلٍ شخصي، حتى لو كان النقد موجه للفعل وليس للأشخاص أنفسهم. لهذا على من يُوجه النقد البناء أن يضع في اعتباره احتمالية تعرضه لأي ردّة فعل من الشخص الآخر.

طرق النقد البناء

يقول مصطفى محمود في النقد: “هناك فرق بين النقد والحقد، وبين النصيحة والفضيحة، وبين التوجيه والوصايةفحياة الناس لم تدوّن باسمك لتخبرهم كيف يعيشون”. لذا فإنّ النقد إن لم يكن بناءً سيكون مجرّد كلامٍ فارغ يصفه الناس بأنه أذى لفظي وطاقة سلبية. فإن أردنا أن نوجه نقدًا لشخصٍ ما، فليكن هذا النقد إيجابيًا وبناءً، وإلا فلا داعي له من الأساس. كما يجب أن يبدأ النقد بذكر الميزات والأشياء الإيجابية، ومن ثمّ توجيه النقد، وذلك بحسب نظرية دكتورة علم النفس الإكلينيكي “دنيس غلاسمويير” التي تقول أنّ النقد البناء يُشبه الشطيرة التي يكون الخبز في حوافها واللحم في منتصفها. أي أنّ الغاية الأساسية من النقد البناء هي الوصول إلى صُلب الموضوع، وعدم التركيز على الهوامش التي تكون سبب النقد، لذا يجب البدء بالنقد البناء بالإشارة إلى الأشياء الجيدة، ومن ثمّ الانتقال إلى سبب النقد، ويجب أن يتوفر في هذا النقد عدّة أمور جذرية، أهمها ما يأتي:

  • انتقاء الكلمات الإيجابية والتشجيعية التي لا تُسبب الانزعاج والإحراج للآخرين، ولا تُسبب لهم الأذى النفسي.
  • توجيه النقد بنبرة صوت مناسبة ولطيفة وخالية من الفظاظة والاستعلاء.
  • توجيه النقد مع ابتسامة وتعابير وجه لطيفة خالية من التجهّم وتعابير رافضة ومستهجنة.
  • وضع النقد في قالب فُكاهي إذا استدعى الأمر، بشرط أن يخلو من السخرية الجارحة، وقوله للشخص بطريقة تجعله يثق بمن يُوجهه.
  • الحفاظ على خصوصية الأشخاص أثناء توجيه النقد إليهم، وعدم توجيه النقد في مكان عام أمام الناس.
  • توجيه النقد بموضوعية بعيدًا عن أي تحيّز، وعدم شخصنة النقد وتوجيهه إلى الشخص نفسه بل تسليطه على الأفعال.
  • تضمين الأمور الإيجابية في النقد لإشعار الشخص بقيمته، ومساعدته على تقبل النقد.
  • تقديم أفكار لمساعدة الشخص على تخطّي الأمور التي تمّ انتقاده عليها.
  • استخدام عبارة “أنا” بدلًا من “أنت” لإعطاء الشخص إحساسًا بأنّ النقد غير موجه لشخصه مباشرة، وإنما هو نقد عام لخطأ معين قد يقع به أي شخص.

أهم ميزة في النقد البناء أنّه يُبيّن للشخص أخطاءه دون التسبب بإيذاء نفسي له، وفي الوقت نفسه يُقدّم تصحيحًا للخطأ ليُمكن الشخص من التصرف بشكلٍ أفضل، وهذا بحدّ ذاته يُساعد في تنمية المجتمعات، ويُغير حياة الأشخاص للأفضل. لذلك ليس غريبًا أن يُعتبر الناس النقد فنًا لا يُتقنه حقا إلّا من يعرف تمامًا كيف يوجهه للآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق