ثقافة العلاقات

تسعة معان جميلة للعتاب

العتاب كلمة محببة وهي خطوة جميلة يقوم بها حقا من يهتم لأمرنا لا لأمر آخر. “العتاب” كما في معجم الفروق اللغوية يكون “على تضييع حقوق المودة والصداقة” كالإخلال بإظهارهم وإبداء روح المعاونة. قد يكون العتاب أيضا على أمور طيبة ولكن من المبالغ فيها، وفي هذا يظهر مدى الاهتمام والنصح. وهنا يكون من الضروري التفرقة بينه وبين اللوم قبل البدء في مناقشته. فاللوم، على النقيض، وإن كانت النية وراءه المحبة هو نوع من القسوة، إذ إن فيه تخلٍ كاملٍ عن تحمل المسؤولية، وتحميلها للآخر مباشرة وصراحة. في اللوم يظهر عدم استعداد مبديه أبدا للمساعدة في حل المواقف وبالتالي يظهر حب النفس وعدم الاكتراث للآخر، حتى وإن كانت النية مختلفة. نعم هناك شعرة بين العتاب واللوم في النية كما هناك أيضا شعرة في طريقة إبداء كل منهما. لذا، سيكون من الجيد التعلم عن المبادئ التسعة لعتاب التي تجعله ناجحا وبناءا وتمنعه من التسبب في الخلافات.

تسعة مبادئ للعتاب الناجح

  1. حاول استخدام العتاب في علاقاتك نادرا، فكثرته تنفر الآخر منك ومن طريقة تعاملك، إذ بكثرته تصبح شكاءا ومعاتبا. وإن جئنا للحق، فمن منا لا يلازمه خطأ أو سمة مكروهة ما. الشاعر الكبير عبيد المدائني (135 – 225 هـ) قال ذات مرة:

ومن لا يغمض عينه عن صديقه            وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

ومن يتتبع جاهدا كل عثرة                   يجدها ولا يُسَلِّم له الدهر صاحبا

  • النظر بموضوعية للمشاكل وتقبل الأخطاء اليسيرة غير المتكررة. فإن لم تتكرر، فما من مانع لغض الطرف عنها. وهذا بالطبع سيرد إلينا، فنحن بالتأكيد أيضا نخطئ. ومن الجدير بالذكر أنه إن وجدت الآخر يحاول التغير للأفضل، فلا تعاتبه إن وقع في أخطائه مرة أخرى، فهو في الحقيقة يحاول. الثناء هنا سيلعب دورا أكبر من العتاب.
  • الصبر والحلم وإظهار التقبل! فهما أهم ما يحتاجه كل من يحاول التطور. فالتطور والتدرب على الأفضل لا ولن يأتي في غمضة عين، بل يأخذ الشهور وحتى السنوات.
  •   “للكلمات أنوارٌ، إذا لمعتْ بروقها؛ أضاءت قلوب السامعين” هكذا وصف العتاب الكاتب الحر محسن طاحون. فحسن اختيار الألفاظ ومواقيتها قد تكلل العتاب بالنجاح أو تخط فشله.
  • الوقف فورا عن العتاب إن احتدم الموقف وعلت الأصوات. قد يجد الناس ذلك ضعفا، نظرا لكونهم هم المحقين، ولكن في الحقيقة هنا تكمن عين القوة: التحكم في الغضب وعدم الوقوع في شهوة الانتصار للنفس على حساب الصداقة والمحبة التي كلفتنا سنوات لبنائها! فما أسهل الوقوع في نقاشات حادة، ولكن ما أجمل الانتصار بالحلم والمحبة التي تعطي فرصة للطرفين أن يكونا أفضل وتجنبهم العديد من السلبيات.
  • الإنصاف! أن تنصف من تعاتبه فلا تقلل من قيمته أو تجرِّح كرامته أو تحاول إظهار نفسك الأعلى عليه! حاول إظهار المودة وكون الأمر طبيعيا ويمر به كثير من الناس وما هو إلا فرصة لنتطور بها ونفخر بأنفسنا، أي أن أي مشكلة نقع فيها بالفعل هي منحة لا محنة. وهنا يمكنك استخدام طرق علوم التنمية البشرية مثلا، كاستخدام تقنية “الساندويتش” في النقد، وهي ببدء نقاشك وإنهائه بالإيجابيات بينما تقول الأمر المفروض تعديله في الوسط، فتكون مقدمتنا وخاتمتنا لحديثنا طيبة وهذان هما ما يعلقان بذهن المستمع.
  • إظهار حسن الظن والثقة في الشخص الآخر. ذلك وحده كفيل بأن يعطيه دفعة مذهلة في الاقتناع.
  • إن وقعت في فخ معايرة الشخص الذي تعاتبه، فأنت بذلك هدمت كل ما فعلته، ووقعت في الذم وقوبلت بالكره ولربما وقعت أنت أيضا في ما ذممته به.
  • لا تضخم المعاتبة وقدرها ولا تصغر أيضا من شأنها وتأثيرها. كن واقعيا لتصدق ويثق بك.

علينا أيضا أن نتلقى العتاب بصدر رحب، فليس كل من يريد لنا الإصلاح مهاجما حتى وإن أخفق في اتباع المبادئ التسع، فليس هو فقط من عليه الاستحاطة قبل إعطائنا النصائح وإبداء العتاب. بل علينا نحن كبشر، أن نكون دائما على استعداد وانفتاح للتطور وتقبل النصح والبحث أيضا بأنفسنا على فرص لتحسين أنفسنا وتدريبها على كل جديد ومفيد. بل في الحقيقة، علينا أيضا أن نكون شاكرين لمن يعاتبنا ونحاول تخطي الموقف المادي لما وراءه من طيبة ومحبة وحرص من الغير على توجيهنا للأفضل.

العتاب ثقافة، لا يفهمها حقا إلا من حسن خلقه، فأحب الخير لا لنفسه فقط بل لغيره، وأحب اللطف واللين لا لنفسه فقط بل للجميع. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: “على قـدر الهـوى يأتي العِتابُ”. وفي الحقيقة هذه مقولة صادقة إن كان العتاب فعلا عتابا بناءا مراعيا لما سبق من مبادئ.ولا تنسوا أن ثقافة العتاب لا تقتصر فقط على مبديها بل أيضا على متلقيها. فكلنا علينا التدرب على تفهم الغير وحسن الظن في نواياهم وعدم التسرع والشك والظن فيهم. وفي الحقيقة مهما بلغنا من حكمة وصلاح فدوما سنجد مجالات لا مجال واحد لنتطور فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق