كتب/ رَأَى

بعد الصدمة: مَن يَحْكِي قصتك؟

بعد الصدمة: مَن يَحْكِي قصتك؟ هل لديك راوي غير موثوق به داخلك؟​
كتبه د.فايزة حلمي

تقول دايل م. كوشنر.” Dale M. Kushner” :
هل سبق لك أن كنت في تجمع عائلي وشارك شخص ما؛ الجميع، في سَرْد ذِكْرَى، وبمجرد سماعك له، قلت لنفسك: هذا ليس هو ما حدث! الحقيقة هي أن ذاكرتنا هي راوي غيْر موثوق به، وهو مصطلح أدبي يصف شخصًا يروي قصة بشكل غير مستقيم، كما في الأدب القصصي. يمكن أن يكون الراوي غير الموثوق به مخادعًا ذكيًا، كما هو الحال في العديد من روايات الجريمة، أو بريء يفتقر إلى الوعي الذاتي .


إن الراوي الذي لم يُكْشَف عن إسمه في قصة الرعب المخيفة التي قام بكتابتها إدغار آلان بو ، ” القلب الواشي” ، غير مستقر عقليًا ولا يمكن الإعتماد عليه لتقديم معلومات دقيقة، وعند قراءة كتاب، هناك فرحة حقيقية في معرفة مَن الذي يَكذب، ومن يتلاعب، ومَن يتحدث بضِدق، ولكن ماذا يحدث عندما يقدم لنا عقلنا رُوَاة متعددين، ولكل منهم مجموعة مختلفة من التصَوُّرات والتفسيرات للواقع؟!


تشير الأبحاث الحديثة إلى أنه في الأشخاص الذين عانوا من صدمة، والذين نجُوا والآن على قيد الحياة، توجد مشكلة، يمكن أن تظهر، في شعور الإنقسام الذاتي، كالطفل الذي تعرض لسوء المعاملة، نَجِده يُظهِر سلوكًا متناقضًا، فيتشبّث، وفي نفس الوقت يَنسَحب، مِن المعتدِي عليه.

في أحدَث كتاب لها بعنوان “شِفاء الأنفُس المُجزَّأة للناجين مِن الصدمات”: التغَلّب على الإغتراب الذاتي الداخلي، تُقدّم الدكتورة جانينا فيشر” Dr. Janina Fisher” خريطة بيولوجية عصبية للتأثيرات السلبية للصدمة المبكرة، على التواصل بين نصفي الكرة المخية الأيمن والأيسر ويوضح كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى نقص التكامل بين وظائف كل منهما.

هذا “الانقسام” الوظيفي يمكن أن يجعلنا نشعر كما لو أن لدينا عقلان، أحدهما تحت إشراف جزء الصدمة الذي نشأ في تجربة مؤلمة، والجزء الآخر يوجهنا نحو ردود فِعل طبيعية على عالَمنا اليومي، حيث لاحظت الدكتورة فيشر أن العديد من المصابين بصدمات نفسية يتحدثون مِن خلال ردود الفعل الناجمة عن الذكريات أو التهديدات المُتَصَوّرة في الوقت الحالي.

في حين أن أجزاء الحياة العادية تحاول المتابعة, نجد الأجزاء الأخرى، تستمر في النشاط عن طريق المنبهات المرتبطة بالصدمات النفسية، مما يؤدي إلى اليقظة المفرطة وعدم الثقة، والعواطف السلبية، والعجز عن مواجهة الإكتئاب و القلق، والسلوك التدمري الذاتي، والخوف أو اليأس بشأن المستقبل.


وتؤكد مارسي جليتمان”Marci Gittleman”، عالمة نفْس في ماديسون والتي تعمل مع المُصابين بصدمة: “الصدمة غالباً ما تثير أجزاء من أنفسنا ، وتدفع أجزاء أخرى إلى أسفل ، وتفصل أجزاءً عن بعضها البعض, لِذا, يساعد التعافي من الصدمات على الترحيب بجميع الأجزاء المختلفة مِن أنفسنا معاً, فى وَعْينا, حتى لو كنا نحِب بعض أجزاء أفضل من غيرها. “
مِن هنا, يمكن إعتبار “الجزء” المصاب بالصدمة راويَا غَيْر مَوْثوق به ، حيث يزوّدنا بهرمونات التوتر التي تشوّه وَعْيَنا بالواقع, فالصدمة تُفسِد وعينا الراوي الذي تضرر مِن المأساة, وفي منهج مدروس لمعالجة التقسيم الداخلي ، قد نعترف بأجزائنا المتعددة ونتعرف على مَن يروي القصة ؛ نعترف بالمصدر ؛ ونسأل ما إذا كانت المعلومات المقدمة… صحيحة .
كذلك أيضا، فإن جميع جوانب الذات ، بما في ذلك الأجزاء الخَجِلة والجَرْحى ، تستحق أن يكون لها صوت ؛ فكل منها يستحق الاحترام ، ويحدث الجرح والإيذاء الذاتي عندما يتم تحويل الألم العاطفي إلى المناطق الحدودية للوعي, لِذا أن تتكَلّم وتُسْمَع, وأن تكون شاهدا ومُشاهَدَا, يتضمّن إلقاء عباءة الضحية, وتَبَنّي القوة والكرامة والتمكين الذاتي ، وهذه الكلمات المجردة تأخذ حياة ومَعْنَى عندما يُعَبَّر عنها دراميّا بين شخصيات في قصة

كتجربة في الإرتباط بحذر بعاصفة الدوافع المتعارضة داخلنا، وبهدف إخراج الأصوات الداخلية المزعجة، جَرّب هذا:

  1. إمسك قلمًا ودفترًا أو اجلس على جهاز الكمبيوتر الخاص بك، إغلق عينيك وتنفس، ركز نَفسَك في جسمك، وإفتح عينيك وإبدأ.
  2. مع الفضول والإبداع كمرشدين، إختر حدثًا مقلقًا معينًا في حياتك وإروي القصة من وجهة نظرك الخاصة.
  3. لتمييز السرد، فكر في إستخدام إسمك .
  4. أكتب الآن القصة نَفْسَها مِن منظور شخص آخر، أو شخص شارك في الموقف، أو أحد المارة، وإستخدم أكبر قدر ممكن من البيانات الحسية: ما يُرى، أو الرائحة، أو الملموس، أو المسموع ؟
  5. ما الذي تلاحظه؟ ما الذي تم التأكيد عليه أو إستبعاده في كل رواية منها؟ هل يمكنك تَسْمِية المشاعر السائدة في كل قصة؟ ما المشاعر التي تأتي وأنت تقرأها؟ ما الذي تعلمْته؟
  6. خذ 15 دقيقة لكتابة ردود أفعالك تحت القصص.

وأخيرا…. يُقدّم عالِم النفس غليتمان “Gittleman” الأمل:
“أعتقد أن الصدمة مثل العاصفة المثالية، إنها عشوائية ومدهشة وتُوُقِف الوقت، وتصبح الحياة مختلفة بعد الصدمة عما كانت عليه قبل وقوعها، الصدمة تهز القلب والجسد والروح، في بعض الأحيان أكثر، وأحيانا أقل، ومختلفة بالنسبة لك أكثر مني، قد يكون من الصعب الشعور بالأمان، وينعكس التأثير في الحاضر والمستقبل بطرق معروفة وغير معروفة على حد سواء, حتى لو قررنا أننا لن نسمح بذلك!
إن أفضل ما يمكن أن نتحلى به كناجين، مهما كانت الصدمات كبيرة أو صغيرة، هو إمتلاك قصصنا وجميع الأجزاء المختلفة، ويَحدُث ذلك مع مرور الوقت، عندما نتحمس ونستعد، من قِبَل أنفسنا ومع الآخرين الذين أصبحنا نثق بهم. “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق