تربية واعية

الطلاق مسؤولية لا حرب باردة

الطلاق بات قضية مجتمعية كبيرة قد لا يسلم منها حتى أكثر المحبين للتقاليد ومتبعيها. ولكن قد تكون تعريفات الطلاق على أرض الواقع بعيدة كل البعد عن حقيقتها. الطلاق في الحقيقة يعني الانفصال بالحسنى عن شريك حياتنا السابق لا قطعه وهجره وحرمه من أولاده. الطلاق إن كان هناك أطفال، وإن وجدت فيه المسافات بين الشريكين، يبقى يحمل في طياته ضرورة التواصل المستمر وتحمل المسؤولية المشتركة، لا تركها كاملة للمرأة أو الرجل فقط. وتعتبر تربية الأطفال بعد الطلاق من أصعب المشكلات في وقتنا الحالي.

في الحقيقة، قد يواجه المرء حائط سد في التعامل مع الشريك السابق فيظلمه أو يظلم نفسه! ولذلك، حتى وإن لم نقدر على درء الظلم عن أنفسنا، دعونا نحاول معا إرساء بعض القواعد الضرورية لنحاول تأسيس حياة سليمة طبيعية لأطفالنا. فالطلاق بعد الإنجاب لا يحتمل بأي شكل من الأشكال الانقطاع التام عن الأب أو الأم.

في مقال سابق لفنور بعنوان “أخطاء مجتمعية في حق الآباء”، ناقشنا أهمية دور الأب التي لا يمكن تعويضها حقا وفقا لما أثبتته الأبحاث العلمية على صعيد الصحة النفسية والجسدية وذلك لكل من الوالدين والأطفال بالأخص! لذا، إليكم بعض الأخطاء التي نقع فيها، والتي يجب علينا تجنبها، لا رفاهية بل واجبا تجاه أولادنا وحقوقهم وحقوق أبويهم:

  • علينا الاعتراف بأن وجود كلا الوالدين يكمل بعضه. ولكن إلقاء مسؤولية تربية الأطفال بعد الطلاق كاملة على عاتق أحد الوالدين دون الآخر ظلم كبير يقع بعواقبه على كل الأطراف. فليس من الشهامة تحمل الأمر كله، لأنك حتما ستقع يوما! وليس من الحق أيضا حرمان الطرف الآخر من أولاده وحرمان الأولاد منه!
  • علينا منح الأطفال الفرصة للتعرف على والديهم بالشكل الكامل والتعلم منهم ومن أخطائهم أيضا. فخبرات الأبوين لا تعوض وستكون هي الأصدق والأقرب لهم.
  • علينا تفهم حقيقة أننا لسنا أحرارا في نقد الطرف الآخر ليل نهار، وإظهاره في دور الشرير دائما، فقط لأننا لم نكن محظوظين معه/ها. من حق الطفل أن يشعر بحبه لأبويه الاثنين وأن ينعم بهما. فإحساس الحب وحده نعمة، وقد نسلبها إياهم بأنانية غضبنا! والحقيقة أن الأطفال تحزن أيضا على أبويها إن كثر انتقادهم، بل ويشعرون بالإهانة لهم إن وضعوا في مواقف مهينة كوقفتهم في المحكمة مثلا مدافعين عن ما هو في الأصل حقهم!
  • علينا أن نترفع عن وضع الأطفال في موضع الوسيط. فإن احتجنا شيء من الطرف الآخر، اقحمناه ليطالب به! وإن أردنا توصيل اتهام أو إهانة أوصلناها عبره وهو لا يفهم! هذا ابتزاز سيفهمه الطفل عاجلا أم آجلا! علينا تذكر ما يمر به الطفل من تطورات نفسية وجسدية ليست بالسهلة وأن دورنا هو تسهيل حياته لا تعقيدها.
  • علينا إعطاء الأولاد حرية التنقل بين الأبوين بكل أريحية وألا ننصب لهم المشانق عند الرجوع، فنحاسبهم على كل كلمة. هذا سيعلمهم الكذب والكتمان وعم الثقة في الناس! نحن أيضا هنا نسلبهم نعمة الوثوق والفضفضة مع أقرب الناس إليهم! أبويهم!
  • من الأخطاء التي نقع فيها أيضا إظهار أنفسنا في ثوب البراءة فقط كالقديسين. هذا لا يعلم الأطفال الاعتدال والعدل أبدا! وبالتالي، سيعاملوننا هكذا أيضا يوما ما.
  • نقع في الخطأ أيضا عندما ندلل أطفالنا جدا، كمحاولة لتعويضهم عن حنان الطرف الآخرن فتكون جميع طلباته مجابة. نحن بذلك نساهم في خلق فرد خامل متكاسل.

إذا، ما هي المبادئ التي علينا اتباعها عند تربية الأطفال بعد الطلاق:

  • الاستماع. لنتعلم كيف نستمع جيدا لأطفالنا، ولما يشعرونه فحدسهم في الأغلب صحيح، واحتياجاتهم صادقة.
  • الحرص، كل الحرص على تخصيص وقت بشكل أسبوعي للقاء الطفل مع الطرف الآخر وكلما احتاج إلى ذلك.
  • عدم التنصت على أطفالنا عند حديثهم مع والدهم أو والدتهم ومحاسبتهم على ما يقولونه، فهم لا يقصدون أي خبث أو كره لأي طرف.
  • البقاء مستعدين إن أًصبح الطفل عدائيا أو انطوائيا أو كذابا والتصدي لذلك بالتفهم واستشارة المختصين وإشراك الطرف الآخر في المشكلة.
  • الاعتدال في الكلام عن الطرف الآخر وجنسه بشكل عام، حتى لا نربي عند الطفل عقدة من الرجال أو النساء كافة.
  • تربية الطفل على الثواب والعقاب المعتدلين فلا ننحاز لجهة ونغفل الأخرى.
  • بعد زيارة الطفل لأمه أو أبيه، اجعل الطرف الآخر يوصله إليك لا العكس. لا تذهب لتأخذه/يه بنفسك فهذا ينمي عنده فكرة الأخذ عنوة وأن ما بيده حيلة.
  • ساعده على تقبل التنقل بين البيتين.
  • هييء له مكانا خاصا به فقط.
  • هييء معه روتينا ثابتا، سواء في مواعيده مع شريكك السابق، أو في الأنشطة، أو حتى الطبخ. فهذا سيؤسس لديه الإحساس بالركوز في حياته.

لأطفالنا علينا حق، ولأنفسنا علينا حق، ولأزواجنا علينا حق وإن افترقنا! من حقنا، نحن الأطراف الثلاثة، الإحساس بالمشاركة والأمان والثقة في بعضنا البعض، حتى وإن لم تكن مقدرتنا كلنا متكافئة في العطاء والاهتمام. لنقم فقط بما نقدر عليه وندع الباقي للزمن. لا يمكننا إغفال مسؤوليتنا تجاه أنفسنا أو أطفالنا في بادئ الأمر. الطلاق، كلمة صعبة علينا جميعا، ولكن بمقدورنا جعله طبيعيا ومقبولا لدى الجميع، بتخطي الذلل ومحاولة جعل القادم أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق