ثقافة العلاقات

الطلاق في خريف العمر راحة أم تهوّر

تُشير إحصائيات التي قام بها المركز الوطني لجامعة بولينغ غرين للأسرة والزواج للبحوث أنه ما بين عامي 1990-2012م نسبة الطلاق  لمن هم في سن 55 إلى 64 عامً قد ازدادت إلى أكثر من الضعف، في حين تضاعف ثلاث مرات من معدل الطلاق للسكان في عمر 65 وأكثر. الطلاق قرارٌ من أصعب القرارات التي يتخذها الأزواج. في العادة نسمع عن قصص طلاق كثيرة ومعظمها يكون في بدايات الزواج، لكن الغريب هو عندما نسمع عن وقوع الطلاق بعد مرور أكثر من 20 أو 30 عامًا من الزواج، أي بعد تجاوز  مرحلة الشباب وبدء خريف العمر. لقد أصبح الطلاق ظاهرة منتشرة في المجتمع ويُثير العديد من التساؤلات ويضع موضوع الطلاق في خانة الأسف الكبير الذي قد لا يحتمل التعويض في بعض الأحيان، خاصة أنّ الأبناء في هذه الفترة يكونوا قد تزوجوا ومضى كلُ منهم في درب حياته وتكوين أسرته، وما يلبث أن ينصدم بقرار والديه بالانفصال. لكن ما هي تبعات طلاق خريف العمر، وكيف يمكن تجاوز هذه التبعات بأقلّ الخسائر؟

أسباب الطلاق المتأخر

الطلاق المتأخر في معظم الأحيان لا يكون قرارًا وليد اللحظة، بل يكن تطبيقًا لقرارٍ مؤجل منذ سنوات، فيحدث في وقت غير مناسب كأن يحدث وقد تجاوز الزوجان عمر الستين مثلًا، ومن أسبابه المحتملة:

  • غياب الانسجام بين الزوجين منذ البدء وإصرارهما على المكابرة والاستمرار.
  • الصبر لأجل الأبناء والانتظار حتى يكبروا.
  • اكتشاف الخيانة المتأخرة بين الزوجين.
  • سوء الوضع المادّي.
  • تغيّر طباع الزوجين مع العمر، كأن يُصبح أحدهما أكثر حساسية من ذي قبل أو أن يصبح أحدهما سريع الغضب.
  • وصول الزوجة لسنّ اليأس وتغيّر طبيعة العلاقة بينها وبين زوجها نحو الأسوأ، وعدم تقبّل الزوج لزوجته وتغيراتها الجسدية، وإحساس الزوج أو الزوجة بالعزوف العاطفي من قبل الآخر.
  • غياب الحوار بين الزوجين، ومعاملة كل منهما للآخر بطريقة سيئة.
  • مرض الزوج أو الزوجة، وإهمال أحدهما للآخر وعدم التعاطف معه أو الاهتمام به.
  • رغبة الزوج في الزواج بامرأة أخرى، ورفض الزوجة لهذا الأمر رفضًا قاطعًا، واختيارها للطلاق بدلًا من البقاء معه.
  • غياب السعادة في البيت وكثرة التراكمات والمشاكل والجو العائلي المليء بالسلبية.
  • إهمال كل من الرجل والمرأة لأنفسهم، وعدم اهتمامهم باللباس والأناقة أو المظهر الخارجي.
  • تولّد إحساس متنامٍ مع التقدم بالعمر بالرغبة بالتخلص من جميع الضغوطات النفسية والحصول على الراحة والمتعة قبل نهاية العمر.
  • المراهقة المتأخرة والرغبة بتجديد الشباب الضائع مع امرأة أصغر، وهذه تُصيب الرجال عمومًا في عمر الستين.
  • تحسّن الحالة الماديّة للزوجين، وتمكنهما من الانفصال بأقل خسائر مادية ممكنة.

التأقلم مع حياة الطلاق في خريف العمر

وقوع الطلاق في خريف العمر يجعل من فرص الزواج مرة أخرى قليلًا جدًا أو معدومًا، خاصة بالنسبة للمرأة، ويكمن التحدّي الكبير بالنسبة لكل من الرجل والمرأة بعد الطلاق في هذه الحالة هو التعايش والتأقلم مع الوضع الجديد الذي فرضه واقع الطلاق. خاصة مع تكوين الأبناء على الأغلب حياتهم الخاصة. لذلك، فمن أفضل الطرق للخروج بأقل خسائر نفسية من الطلاق الآتي:

  • إعادة التواصل مع الأصدقاء القدامى وتعزيز العلاقات الاجتماعية الإيجابية لتخطّي أثر الطلاق.
  • ممارسة الأنشطة اليومية التي تشحن النفس بالإيجابية وتعززها مثل: الرياضة وخاصة المشي وتناول الطعام الصحي.
  • ممارسة الهوايات المحببة للنفس وخاصة القراءة ومشاهدة البرامج المسلّية والمفيدة والتخفيف من الضغط النفسي قدر الإمكان.
  • مراجعة متخصص نفسي وطلب المشورة منه في حال لم يتم تجاوز الأثر السيء للطلاق.
  • طلب الدعم من الأصدقاء والأهل.
  • عدم تشويه صورة الأم أو الأب في عيون الأبناء، ومحاولة التحدّث إليهم بحوار بنّاء، وإفهامهم أنّ الطلاق جاء بعد محاولات كثيرة فاشلة للتأقلم مع الحياة الزوجية.
  • التحلّي بالشجاعة في مواجهة الحياة، والانشغال بالأشياء التي تبعث البهجة والفرح مثل: اللعب مع الأحفاد أو الخروج للتنزه مع الأبناء أو الأصدقاء.
  • الحفاظ على طريقة تواصل مع الزوج أو الزوجة السابقة بطريقة ودّية وخالية من التجريح والإهانات وخاصة أمام الأبناء.

نظريات علم النفس حول الطلاق المتأخر

يُطلق المختصون النفسيون على الطلاق في خريف العمر عدّة مسميات مثل: الطلاق الرمادي أو مزاج الشيخوخة، لأنه يقع في مرحلة حرجة من العمر، ويكون مقترنًا بتقلب المزاج في خريف العمر، بعد أن تخطى الزوجان معًا سنوات كثيرة. وغالبًا يكون لهذا الانفصال تأثيرًا مدمرًا على نفسية الأبناء، إذ يشعرهم بالخجل أمام شركائهم وأصدقائهم، كما تتأثر الحالة النفسية للأزواج والزوجات المنفصلين بطريقة سيئة، حيث أشارت الدراسات أنّ 19% من النساء اللواتي ينفصلن في سن متأخر معرّضات للإصابة بالأمراض النفسية وخاصة الاكتئاب، ويقابلها نسبة 17% من الرجال. من أشهر نظريات علم النفس حول الطلاق في خريف العمر:

  • نظرية التعلم (Learning Theories): التي تُشير إلى أنّ الطلاق يحصل نتيجة الشعور بالحرمان الزوجي وعدم إشباع الحاجات، والشعور بالقلق والتوتر، فيستنتج الزوجان أنّ الطلاق وسيلة لتخلصهما من مشاعر الحرمان الناتج من وجودهما معًا.
  • نظرية التبادل (Social Exchange Theory): تُشير هذه النظرية إلى أنّ الطلاق يأتي نتيجة لندرة الانتفاع المادي بين الزوجين، وابتعادهم عن التفاهم، مما يُخضعهم لتبادل التأثر والتأثير بطريقة سلبية، وعدم وجود معلومات لديهم حول البدائل الأخرى التي قد تنقذ الزواج.
  • النظرية البنائية الوظيفية (Structural Functional Theory): تُشير إلى أنّ الطلاق خلل في بناء الأسرة حتى لو حدث في مرحلة متأخرة.

يقول عالم النفس تالكوت بأرسونز في كتابه (النسق الاجتماعي): “لا بناء بدون وظائف اجتماعية ولا وظائف بدون بناء اجتماعي، وهذا يدل على وجود علاقة متفاعلة بين البناء والوظيفة، وأن هناك درجة عالية من التكامل بينهما، إذ لا نستطيع الفصل مطلقاً بين البناء والوظيفة”. وهذا يعني أنّ المشكلة الأساسية التي تواجه الزوجين بعد عمر طويل من الزواج هي التكيف مع الأدوار، إذ لا يكفي أن يؤدي الزوج أو الزوجة دوريهما، وإنما يجب أن يكون كلٌ منهما مقتنعًا بهذا الدور! ومهما تصوّر الزوجان أن الطلاق هو الحل، لا بدّ وأن يُعيدا النظر مرات عديدة قبل وقوعه. فإن حصل فلا بدّ من محاولة التأقلم والخروج بأٌقل الخسائر المعنوية والنفسية وحتى المادية منه. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق