الحدود الصحية في علاقاتك مع الآخرين

الحدود الصحية في علاقاتك مع الآخرين
يصف خبير العلاقات العالمي والاختصاص النفسي “هنري كلاود” الحدود في العلاقات مع الآخرين بقوله: “الحدود في العلاقات تُساعد الأشخاص على معرفة ما نحن عليه، وما يقع في دائرة مسؤولية غيرنا، عندها فقط نحصل على الحرية”. فعلاقة الشخص مع غيره من الناس تحصيلٌ حاصل وأمرٌ لا بدّ منه، لأنّ الإنسان يعيش ضمن مجتمعه الذي يتعامل فيه مع شخصيات مختلفة، بعضها مفروضة عليه بشكلٍ أو بآخر، وبعضها اختيارية، يملك خيار التعامل معها من عدمه. لو نظر كلّ شخصٍ منا إلى حياته، لوجد فيها أشخاصًا لا يملكُ خيار قطع العلاقة بهم، لكن وبكلّ تأكيد يملك خيار تقنين هذه العلاقات وجعلها في إطارٍ معيّن بحيث تبقى علاقات ضمن حدودٍ صحيّة لا يتم فيها التعدّي على خصوصية العلاقة. وكي يكون الإنسانُ مرنًا في علاقاته، عليه أن يُتقن فنّ العلاقات مع الآخرين، وأن يُمسك العصا من المنتصف، لتبقى هذه العلاقات في دائرة الأمان، خصوصًا أنّ عدم وضع هذه الحدود قد يُسبب الكثير من الآثار السلبية.
أبرز الحدود الصحية في العلاقات مع الآخرين
قسّم سلفادور منيوتشن حدود العلاقات مع الآخرين، وهو طبيب نفسي وأخصائي اجتماعي، وصاحب نظرية “العلاج الأسري البنائي” إلى ثلاثة أنواع، وهي: حدود متينة لا يمكن المساس بها، تُسبب العزلة؛ وحدود مسامية يمكن اختراقها بسهولة وتُسبب عدم الاستقرار؛ وحدود صحية وهي التي يجب أخذها بعين الاعتبار! وتتمثل هذه الحدود في الآتي:
- عدم تقبل إهمال الآخرين المتعمّد أو تقبل إساءتهم.
- القدرة على قول “لا” في المواقف التي يضغط فيها البعض علينا.
- اتخاذ موقف قوي وحازم في التعامل مع الآخرين ومتطلباتهم.
- عدم السماح للآخرين بالخوض في معلوماتنا الشخصية إلا ضمن إطار محدد، وعدم السماح لهم بالتدخل فيما لا يعنيهم.
- تكوين آراء شخصية وعدم السماح للآخرين بالتشكيك فيها.
- معرفة الأهداف الشخصية والاحتياجات، وتفهّم الطريقة المناسبة لإيصال هذه الاحتياجات إلى الآخرين.
طريقة وضع حدود التعامل مع الآخرين
الأهم عند وضع حدود صحيّة في التعامل مع الآخرين هو معرفة طريقة وضعها بوضوح بحيث تكون صريحة للآخرين، لأنّ الوضوح يؤدي لفهم الآخرين لها، ويكون ذلك كما يأتي:
- معرفة ماهيّة هذه الحدود بالضبط، واستنادها إلى قيم واضحة مثل: الأسرة والعلاقات الاجتماعية والصحة والظروف المحيطة، وغير ذلك من الأشياء الخاصة التي تتعلّق بالشخص نفسه، بحيث يعرف كلٌ منا حدوده التي يُريد أن يحميها من تطفل الآخرين وتدخلاتهم.
- البحث عن إجابات واضحة للأسئلة التي تدور في أنفسنا، والتصرّف بناءً عليها: ما هي السلوكيات التي يُمكننا تقبلها من الآخرين، وما مقدار تقبلنا لها؟
- تجنب التعامل مع الأشخاص الذين لا يحترمون حدودنا التي وضعناها لهم، أو على الأقل الحد من التعامل معهم وتذكيرهم الدائم بها.
هدف وضع الحدود مع الآخرين
ذكرت مؤلفة كتاب “الكيمياء العاطفية Emotional Ache”” “تارا بينيت غلومان” أهمية وضع حدود صحية في العلاقات مع الآخرين لكونها تحمينا من التلاعب، وتُشكل حاجزًا منيعًا يمنعنا من الاندفاع نحوهم دون وعي، كما تمنع تطوّر العلاقات إلى درجة كبيرة. وهذا في حدّ ذاته يُقلل من العلاقات السامة التي قد يتعرض لها الشخص. وتكمن أهمية وضع الحدود الصحية في العلاقات مع الآخرين فيما يأتي:
- خفض نسبة التعرّض للاكتئاب والقلق الناتج عن الاحتكاك بالآخرين ومعرفة مشكلاتهم.
- الحفاظ على خط علاقات أقوى مع الآخرين وأكثر ديمومة.
- تعزيز الشعور بتقدير الذات، وزيادة تقرّبنا من أنفسنا وتجنيبها الأفكار السوداوية من الغير.
- الحفاظ على الاستقلالية والخصوصية، وضمان عدم تدخل الآخرين في الأمور الشخصية.
- إفساح المجال لقضاء وقت أكبر مع النفس، وتحقيق أسلوب حياة متوازن، وزيادة قدرتنا على تحمّل مسؤولية اتخاذ قرارتنا وتطويرها دون التأثّر بألغير.
- تحقيق التفرّد وزيادة التمكين الذاتي، ومنح الأولوية لتحقيق الأهداف الشخصية والتخطيط.
- تجنيب أنفسنا التعرّض لإساءات الآخرين أو تقبّلها على مضض.
- التقليل من مستوى الإرهاق الفكري، وزيادة الصحة العقلية ومستوى رفاهية التفكير.
- الحفاظ على الاستقرار المالي مع تجنب التبذير.
شروط وضع الحدود مع الآخرين
وضع الحدود الصحية مع الآخرين لا يتم بشكل عشوائي، حتى لا نفقد علاقاتنا المتوازنة. وكي نُحافظ على تواصلنا مع الآخرين بطريقة صحية. لهذا لا بدّ من تحقيق عدّة شروط عند وضع حدود صحيحة للتعامل مع الآخرين مثل:
- وجود الاستثناءات: قبل وضع الحدود مع الآخرين لا بدّ من تحقيق التناغم بين المشاعر التي نُكنّها لهم وبين الحدود التي وضعناها. فلا تدفعنا المشاعر للتغاضي عن بعض الحدود.
- التغيير والتجديد: أحيانًا قد نجد أنفسنا مضطرين للتخلص من الحدود التي وضعناها للآخرين، والبدء في إنشاء حدود جديدة ملائمة لما قد يطرأ من تغيرات في حياتنا الشخصية أو العملية أو الاجتماعية. لهذا يجب أن تتصف حدودنا بالمرونة.
- الوضوح: يجب أن تكون الحدود بعيدة عن الغموض، بحيث يستطيع الآخرون تفهّمها كما هي.
- الشكر والتقدير لمن يتبعون الحدود: احترام الناس للحدود التي نضعها لهم أمرٌ يستوجب الشكر والتقدير.
- المعاملة بالمثل: يجب احترام الحدود التي يضعها الآخرين لأنفسهم قبل مطالبتهم باحترام حدودنا. ففي هذا رسالة واضحة لهم بأن يبادلونا نفس المعاملات.
- احترام حدود العالم الافتراضي: في الوقت الحاضر أصبح التعامل الافتراضي أمرًا واقعًا، خاصة في ظلّ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني وجوب تطبيق الحدود افتراضيًا أيضا.
الحدود التي نضعها بيننا وبين الآخرين هي في الأساس للحفاظ على علاقاتنا الصحية بهم، وحماية كل مهم وخاص. لهذا يجب أن تكون هذه الحدود صحية وفعّالة للوصول إلى علاقات ناضجة خالية من التوتر أو الاستياء، وللحفاظ بالدرجة الأولى على مستوى راقٍ من التواصل. الحدود الصحية في علاقاتك مع الآخرين