سلام نفسى

الحاجة إلى المُعالج النفسي

الحاجة إلى المعالج النفسي

نُواجه في حياتنا الكثير من الضغوطات النفسية التي تضعنا ما بين مطرقة الحياة الشخصية، وسندان الواجبات العائلية والاجتماعية والمهنية، وغيرها من متطلبات الحياة الكثيرة التي تواجهنا جميعنا على اختلاف مراحلنا العمرية واختلاف ظروفنا، وقد تجعلُ منّا أحيانًا قنابل نفسية موقوتة مهيأة للانفجار في أية لحظة، وعلى الرغم من أنّ الكثير من الضغوطات تكون مجرّد حالة طارئة تنتهي في فترة قصيرة ونعود بعدها إلى طبيعتنا، إلى أنّ بعضها يُؤثر علينا على المدى الطويل، ويُسبب لنا بعض المشاكل النفسية الشائعة التي قد تتطوّر وتصبح حالة مرضية تحتاج إلى علاج مثل: الاكتئاب والقلق المزمن والأرق المتواصل، وغيرها. وما لا يعرفه كثيرون أنّ الأصل في المرض النفسي ينتج من التعرّض لضغوطات نفسية شديدة مستمرة تتطوّر وتصبح خللًا عضويًا يُؤثر في الدرجة الأولى على كيميائية الدماغ، فتصبح الحالة أكثر تعقدا، ويصبح السيطرة على المزاج أكثر صعوبة. لذا، فإذا شعرنا بأعراض مختلفة ومتناقضة، متى يكون الذهاب إلى المعالج النفسي أمرا مهما ومتى يجب أن نُقرر ذلك؟!

متى يجب الذهاب إلى المعالج النفسي؟

تشير التقديرات إلى أن حوالي خُمس سكان العالم يُعانون على الأقل من شكل واحد من أشكال الاضطراب النفسي مثل القلق أو التوتر أو الاكتئاب أو الوسواس القهري أو الاضطراب ثنائي القطب، وللأسف فإنّ كثيرًا من الأشخاص الذين يُعانون من الاضطرابات النفسية لا يلجؤون لطلب المساعدة من المختصين النفسيين، ربّما لشعورهم بالإحراج أو عدم معرفتهم بحاجتهم للعلاج النفسي، وعلى الرّغم من أنّ غالبية المجتمعات في الوقت الحاضر هي مجتمعات متحضّرة ومتعلّمة، إلّا أنّ ذلك لم يُغيّر من نظرة المجتمع إلى العلاج النفسي، إذ يربط معظم الناس الذهاب إلى المعالج النفسي بثقافة العيب، ويعتبرون أنّ المرض النفسي هو المرادف للجنون في أغلب الأحيان، لكن الحقيقة مخالفة لهذا تمامًا، فالمرض النفسي مثله مثل باقي الأمراض العضوية التي تحتاج إلى متابعة وعلاج، حتى أنّ الاضطرابات النفسية تحتاج إلى متابعة أكبر لأنّ إهمالها قد يُؤدي إلى تطوّرات لا يُحمد عقباها، لهذا فإن أهمية الذهاب إلى أحد المختصين النفسيين أو المعالج النفسي يكون بمجرّد الإحساس بالأعراض النفسية المزعجة، وهو أمرٌ ضروريٌ جدًا للأسباب الآتية:

  • فقدان القدرة على التحكّم في العواطف: جميعنا نمر بلحظات نشعر فيها بالحزن أو الغضب والانفعالات المختلفة كالقلق أو التوتر الشديد، وهي مشاعر طبيعية إذا كنًا قادرين على السيطرة عليها وإدارتها بشكلٍ جيّد، لكن إذا فقدنا القدرة على إدارة مشاعرنا، علينا التفكير برؤية طبيب نفسي.
  • تغيّر الشهية لتناول الطعام: المرور بالأزمات النفسية المزمنة يُسبب تغيّر طريقة تناول الطعام وتغيّر الأصناف التي نتناولها، فقد تزيد الشهية لتناول الطعام بشكلٍ مفرط، أو قد تختفي، وهذا يُشير إلى فقدان السيطرة إدارة أجسامنا والعناية بها.
  • تغيّر أنماط النوم: عدم الحصول على نوم جيّد لفترات طويلة والمعاناة من نوبات الأرق المستمرة أو النوم لساعات طويلة، يُعدّ مؤشرًا على وجود مشاكل نفسية صعبة التأقلم، وتُسبب خللًا في القدرة على النوم الجيّد، ورؤية كوابيس متكررة.
  • تناول بعض المواد الضارة: المرور بالاضطرابات النفسية قد يُسبب انجراف البعض لتناول المسكنّات أو المواد المخدّرة أو تناول الكثير من المنبهات والسجائر، في محاولة منهم للهروب من الواقع.
  • عدم الرغبة في رؤية الناس: من المؤشرات المتقدمة في الأعراض النفسية وخصوصًا الاكتئاب، الهروب من المواقف الاجتماعية، وعدم الرغبة في الحديث مع أحد، كنتيجة لفقدان القدرة على التحكم في المشاعر.
  • التغيّر في الأداء الدراسي أو المهني: من أهمها التراجع في الناحية الأكاديمية أو العملية، وعدم الاهمام في أداء الواجبات، وفقدان القدرة على التركيز.
  • الأمراض الجسدية الوهمية: الشعور بآلام جسدية متكررة دون وجود سبب عضوي حقيقي محدد مثل: آلام المعدة أو الصداع.

أهمية الذهاب إلى المعالج النفسي

عند الشعور بأيّة أعراض نفسية غير طبيعية، من الحكمة استشارة طبيب نفسي أو أي مختص ذو علاقة، فالطبيب النفسي هو الأقدر على دعمنا ومساعدتنا على اكتساب ثقتنا بأنفسنا من جديد، وعودتنا إلى حياتنا الطبيعية، لذلك من الضروري جدًا كسر الحاجز بيننا وبين الطبيب النفسي، وخلق بيئة صحيّة داعمة لمساعدة كل من يحتاج إلى الطبيب النفسي، وتكمن أهمية الذهاب إلى الطبيب النفسي كما يأتي:

  • المساعدة في التخلص من الضغوط النفسية بشكلٍ صحي وآمن وسريع، دون التأثير على الحياة الطبيعية، بحيث يكون هذا بأقلّ الخسائر النفسية والمادية الممكنة.
  • الشعور بالراحة والأمان والاطمئنان، وإعادة التوازن النفسي، والحصول على العديد من الإجابات للأسئلة النفسية العالقة.
  • الحصول على علاج دوائي في حال كانت الحالة النفسية تستدعي ذلك، خصوصًا في بعض الأعراض النفسية التي لا تُفلح الجلسات النفسية الكلامية والعلاج السلوكي في الحدّ منها أو علاجها.
  • تقييم الحالة النفسية بالشكل الصحيح، وتحديد نوع العلاج اللازم وكيفيته فيما إذا كان علاجًا سلوكيًا أو دوائيًا، أو قد يتطلّب الأمر في بعض الحالات المتقدة إلى إدخال المريض إلى المصحة النفسية للإشراف على علاجه بشكلٍ مباشر.
  • مواجهة جميع المخاوف بطريقة آمنة وصحية، وعدم الخوف من المواجهة، والحصول على المساعدة الفعلية لتغيير نمط الحياة النفسية، مما ينعكس بشكلٍ مباشر على الحياة الاجتماعية والمهنية.
  • اكتساب القدرة على التحكم بالعواطف بطريقة سليمة، وزيادة القدرة على التأقلم والتكيّف مع الظروف الصعبة.

تلقي العلاج النفسي لمن يحتاجه يجب أن يكون في نفس مستوى أهمية الذهاب إلى  الطبيب المختص بالأمراض العضوية الأخرى، لهذا من الضروري تجنب الخوف من طلب المساعدة، لأنّ المرض النفسي لا يدعو للخجل أو الاشمئزاز كما ينظر له البعض، بل هو حالة صحية تستدعي العلاج النفسي أو السلوكي أو الدوائي، علمًا أنّ الكثير من المرضى أو المحبطين نفسيًا يتعافون بالعلاج السلوكي ولا يضطرون لتناول العقاقير والأدوية النفسية، خصوصًا إذا بدأ العلاج النفسي مبكرًا قبل أن يتفاقم الوضع النفسي للأسوأ، لهذا فإنّ الحفاظ على الصحة النفسية من أهم الخطوات التي تُساعد على الاستقرار النفسي والعاطفي، واكتساب مناعة نفسية ضدّ الأحداث المؤلمة، وهذا حق كل شخص على نفسه حتى يشعر بالسعادة، ويكون في منأى عن التقلبات النفسية المؤلمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق