كتب/ رَأَى

التمَزّق أو الإصلاح

التمَزّق أو الإصلاح:

كتبه د.فايزة حلمي

مِن المُفيد النَّظر للعديد من التوَتُّرات داخل العلاقات؛ خِلال مَنْظور مفهوم يُسْتَخدم كثيرًا في العلاج النفسي: فكرة “التمزق” و “الإصلاح”، بالنسبة للمعالجين النفسيين، كل علاقة مُعَرَّضة لِخَطر لَحَظات مِن الإحباط أو حَسَب المصطلح “تَمَزُّق”؛ عندما نُعاَنِي مِن فقدان الثقة في شخص كان يُمْكِننا أن نُوُدِع فيه حُبَّنا بأمان، وكُنَّا نعتقده يُمْكِن أن يكون كريم ومُتفهِّم لإحتياجاتنا.


غالبًا ما تكون التمَزّقات صغيرة جدًا، بحيث تكون غَيْر مُدْرَكة للمراقبين الخارجيين:كأن يفشل أحد الأشخاص في الإستجابة بحرارة لتحية آخر؛ أو يحاول شخص ما شرح فكرة لشريكه الذي يتجاهله ويستهين بأفكاره، ويقول له بعنف إنه ليس لديه فكرة عما يدور حوله؛ أو يَحْدُث أن يُشارِك أحد الأحبّاء؛ أمام الأصدقاء، حكاية؛ تُلْقِي الشريك بأقل مِن ضوْء خافت، أو يمكن أن يكون التمزق أكثر خطورة: كأن يقوم شخص بتسمية شخص ما بأحمق غبي؛ ويكسر باب،أو يتم نسيان عيد ميلاد؛ فتَبْدَأ قضيَّة.


النقطة المُهِمّة في أطراف التّمَزُّق؛ هو أنهم لا يقولون شيئًا في أنفسهم عن إحتمالات بقاء العلاقة، قد تكون هناك تَمَزُّقات مُستمرة وإلى حد ما خطيرة، ومع ذلك لا يَحْدُث تَفَكُّك، أو قد تكون هناك لحظة أو لحظتان توتُر بسبب خلاف بسيط، والأشياء تتجه رأساً نحو الإنهيار.


ما يُحَدِّد الفَرْق هو شيء يَحْرِص المعالجون النفسيون بشكل خاص على تعليمنا عنه وهو: القدرة على ما يسمونه “إصلاح”؛ يشير الإصلاح إلى العمل اللازم لشخصين لإستعادة ثقة بعضهما البعض، وإستعادة كل منهما نفسه في ذهن الآخر؛ كشخص لائق ومُتعاطف في الأساس، ويمكن أن يكون مُترجمًا “جيدًا بما فيه الكفاية” لإحتياجاته، وكما يشير العلاج النفسي، فإن الإصلاح ليس مجرد قدرة واحدة مِن بين أمور أخرى، بل يمكن القول إنه المحدد الرئيسي لإتقان الفَرد للنضج العاطفي ؛ إنه ما يُمَيّزنا كبالغين حقيقيين.


يَعْتَمِد الإصلاح الجيِّد على أربعة مهارات مُنفصلة على الأقل:


القدرة على الإعتذار: قد لا يكون الأسَف سَهْلا كَمَا يَبْدُو، لأنه ليس مجرد كلمات قليلة دافئة يجب أن يقولها المرء، التكلفة الحقيقية هي حب المرء لذاته، فإذا كان المرء على وشك إيجاد نفسه إلى حَدٍ ما؛ غير مُحْتَمَل، حينئذ؛ فإن الدعوة للتنازل عن نقطة أخرى، للإعتراف بِكَوْنك أكثر حماقة، أو غير متوازن عاطفياً، أو حامي الطبْع، أو تافه، يمكن أن تَشْعر بأنه مَطلَب بعيد للغاية، قد نختار الإجتهاد ونتجنب الأسف؛ ليس لأننا سعداء للغاية بأنفسنا ولكن على وجه التحديد لأن مشاعرنا بِعَدَم الجَدَارة؛ مُوُجِعَة بوضوح لنا بالفعل، ولا تمنحنا أي إيمان لتخيل أن أية إعتذارات قدَّمْناها؛ قد تثير أي نوع مِن الصدْق والعطف الذي نَتوق إليه، ومع ذلك نشعر بشكل سيء أننا لا نستحقه.


القُدرة على التسامُح: يمكن أن يكون هناك صعوبة متساوية في القدرة على قبول الإعتذار, إن القيام بذلك يتطلب منا أن نُوَسِّع مِن تعاطفنا الخيالي؛ بالنسبة للسبب الذي يجعل الناس الطيبين (بما فيهم نحن) ينتهي بهم الأمر إلى القيام ببعض الأشياء السيئة الجسيمة، ليس لأنهم “شريرون”، ولكن لأنهم بِطرُق مختلفة متعبون أو مكتئبون أو قلقون أو ضعفاء، تُزَوِّدنا النظرة المتسامحة؛ بالطاقة، للنظر في مُعظَم الأسباب القوية، عن: لماذا الأشخاص المحترمون بشكل أساسي، عند نقطة؛ يتصرفون بشكل أقل من المستوى الأمثل.


عندما يكون هذا النوع من مشاعر التسامح؛ مستحيلًا، يتحدث المعالجون عن مناورة للعقل تُعرَف “بالإنشقاق”، أي المِيل إلى إعلان أن بعض الناس طيِّبون تمامًا، والبعض الآخ، بكل بساطة، سيِّئون تماما بتقسيم الإنسانية هكذا، نحن نَحْميِ أنفسنا مِمَّا يمكن أن نشعر به، مثل مخاطر خيبات الأمل المُستحيلة، أو الإزدواجيَّة البالغة، إما أن يكون شخص ما؛ طاهرًا ومثاليًا، ويمكننا أن نحبهم دون تحفظ، أو فجأة يجب أن يكونوا مُرَوِّعِين ولا يمكن أن نسامحهم أبدًا، نحن نتشبث بالتمزق؛ لأنه يؤكِّد قصة بالرغم مِن ذلك؛ حزينة بِعُمْق على مستوى واحد: أن الالتزامات العاطفية الكبيرة تنطوي دائمًا على مخاطرة كبيرة، وأن الآخرين لا يمكن الوثوق بهم، وأن الأمل وَهْم، وكلَّنا أساسا وحيدون.


القدرة على التدريس وراء التَّمَزُّق : غالبًا ما تكمن محاولة فاشلة من قِبَل شَخْص لتعليم شيء لآخر، كأن هناك شيئا يحاولون عُبُوره، عندما فقدوا أعصابهم أو عانوا مِن الإستياء: شيء حول كيفية التصَرُّف تِجاه أحد الوالدين أو ما يجب فعله بِشأن الجنس، أو كيفية التعامل برعاية الأطفال أو كيفية التعامل مع المال، وبرغم ذلك الجهد، أخطأوا، ونَسُوا كل شيء عن فن التعليم الجيد، وهو فن يعتمد لِمَدَى مُدْهش؛ على درجة التشاؤم حول قدرة شخص آخر على فهم ما نريده منهم، المعلمون الجيدون ليسوا بَعْد نِتَاج مُعجزة، هُم يعرفون مَدَى مُقاومة العقل البشري للأفكار الجديدة، إنهم يبتلعون جرعة كبيرة جدًا من التشاؤم حول التواصل الناجح بين الأشخاص من أجل البقاء هادئين، وفي مِزاج جيد حول الإحباط الذي لا يُمْكن تَجَنُّبه في العلاقات، إنهم لا يصيحون لأنهم لم يسمحوا لأنفسهم منذ البداية بأن يؤمنوا بالتناظر التام للعقل، وعندما يحاولون الحصول على شيء ما، فإنهم لا يدفعون نقطة صعبة للغاية، إنهم يمنحون مستمعيهم وقتًا، ويعرفون مدى القوة الدفاعية، وحين يتقهقرون؛ ، يقبلون أنه قد يتعين عليهم إحترام حقيقتين مختلفتين، ويمكنهم في النهاية قبول أنهم سوف يُسَاء فهمهم قليلا حتى مِن قِبَل شَخْص يحبهم كثيرًا.


القدرة على التعَلُّم:
يمكن الشعور بأنه أسهل كثيرا جدا أن نتخيَّل أن يُسَاء لنا مِن شخص ما، أكثر من أن نجرؤ على تخيل أنه قد يكون لديه شيء مُهِم لإخبارنا به، قد نُفَضِّل التعليق على كيفية إعلامنا بفكرة، بدلاً من مُعالجة جَوْهَر ما يحاولون إيصاله، ليس من السهل أن نتخيل أننا ما زلنا مبتدئين في مساحة من المجالات، المُصْلِح الجيد هو أساساً مُتَعَلِّم جيد: لديهم شعور مُفْعَم بالحيوية وغير مُخْز؛ لأي مَدَى مُضطرين للمغادرة والصعود على متنها، إنها ليست مفاجأة أو مدعاة للقلق من أن شخْصا ما قد يوجه إنتقادات إليهم، إنها مجرد إشارة إلى أن الروح العطوفة مُسْتَثمره بشكل كافٍ في تطوُّرَهم لدرجة مُلاحَظة مناطق عدم الخِبرة، وفي أمان العلاقة، نقدم لهم شيئًا ؛ تقريباً على الناحية الأخرى؛ لَن ينزعج أحداً بها : التغذية المرتدة.


في التقاليد اليابانية لـ kintsugi ، يتم إصلاح الأواني والمزهريات المكسورة؛ ببراعة، بإستخدام قاذفة ذهبية منحوتة، وعَرْضها كأعمال فنية ثمينة، كوسيلة للتأكيد على إجلال فن الإصلاح وأهميته الإنسانية الأساسية، يجب أن نفعل شيئًا من نفس المَعَنَى مع قصص حبنا، لا شك؛ إنه لأمر جيد أن تكون لديك علاقة دون لحظات من التَّمَزُّق، لكنه مازال؛ إنجازاً رائعاً ونبيلا، أن نَعْرِف كيف نرمِّم الأشياء مِرَارَا، بهذه الفروع الثمينة مِن الذهَب العاطفي: قبول الذات، الصبر، التواضع، الشجاعة، والكثير من الحنان. التمَزّق أو الإصلاح التمَزّق أو الإصلاح

نبذة عن د.فايزة حلمي دكتوراه علم نفس تربوي
ومستشار نفسي وعضوة بالعديد من الجمعيات النفسية
وكاتبة كتب/ ومُحررة مقالات بمجلات مصرية وعربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق