سلام نفسى

التسامح مع النفس

التسامح مع النفس

التسامح من أسمى الصفات الإنسانية، ويصبح أسمى قيمة إن كان هذا التسامح مع أنفسنا. التسامح مع النفس من أبسط الحقوق التي يُقدمها المرء لنفسه كي يحظى بالسلام الداخلي والطمأنينة القلبية التي تجعله لا يفقد الشغف بالحياة. ولكن من يجلدون ذاتهم ولا يستطيعون مسامحة أنفسهم بالطبع يقترفون جريمة بحقّها قد تؤدي بهم إلى الوقوع في فخ الاكتئاب على أقلّ تقدير. التسامح مع النفس يعني أن نمنح أنفسنا الحب والاحتواء قبل أن نمنحه لغيرنا، وأن نجد المبرر لأنفسنا في الوقت الذي تضيق فيه المبررات وتختفي فيه الأعذار. من لا يستطيع مسامحة نفسه لن يستطيع مسامحة غيره، ومن يفقد سلامه الداخلي لن يكون قادرًا على أن يحيى بطبيعية: سيتصرّف بعدوانية مع نفسه ومع الآخرين. يقول برنارد شو “احذر ممّن ضربته ولم يرد لك الضربة، فهو لن يسامحك ولن يدعك تسامح نفسك”. ففاقد الشيء لا يُعطيه! علينا أن نعي أن التسامح مع النفس ضرورة وليس خيارًا، فالعالم الخارجي قاسٍ بما يكفي، فلماذا نقسو على أنفسنا ولا نُسامحها؟! وإن لم نستطع مسامحتها فعلينا أن نُحاول على الأقل وأن نتوقف عن جلد ذاتنا لأنّ بها فيها يكفي.

لماذا علينا التسامح مع النفس؟

لا معنى للحياة إن كسبت العالم وخسرت نفسك. هذه القاعدة الثمينة يجب أن يضعها الجميع حلقة في أذنه، فخسارة النفس تبدأ بإلقاء اللوم عليها وجلدها عقب كلّ حدثٍ أو خيبة، وتركها تحت أنقاض تراكمات السواد التي تزيد حياتنا ظلمة وتبني حاجزًا بين النفس والعقل والقلب والروح. فنصبح أشخاصًا سلبيين غير متصالحين مع ذواتنا، وعاجزين عن التواصل مع أرواحنا، لأننا أغلقنا قنوات الحوار مع النفس نتيجة كلّ الأخطاء المقصودة وغير المقصودة التي مررنا بنا. عدم التسامح مع النفس قد يؤدي إلى مشاكل خطيرة تصل إلى الانتحار أو الأمراض النفسية. فلماذا علينا التسامح مع أنفسنا إذا؟ لأسبابٍ في غاية الأهمية ومن ضمنها:

  • نتسامح مع النفس كي يُسامحنا الآخرون، فمن يقسو في حق نفسه لن يجد الرحمة والتسامح من الآخرين، بل سيُعطيهم الضوء الأخضر ليلقوا بمشاكلهم ولومهم عليه.
  • نتسامح لأننا لسنا أشخاصًا كاملين، ويُمكن بكلّ بساطة أن نرتكب أخطاءً كثيرة، لكن هذه ليست نهاية الدنيا، ويُمكن التراجع عنها وإصلاحها في أيّة لحظة.
  • لأن تقبّلنا لأنفسنا يزداد بمجرّد أن نتعلّم كيف نُسامحها، فتصبح نظرتنا للحياة أكثر إيجابية، وتزيد ثقتنا بقدراتنا ونتصرّف بطريقة أفضل.
  • كي تشتعل لدينا روح المغامرة والاندفاع، ولا نخشى تجربة الأشياء أو الخوض في علاقات جديدة أو القيام بأية أنشطة أو مشاريع، لأننا باختصار سنتقبّل جميع النتائج من نجاح أو فشل، وسنُسامح أنفسنا بكل سهولة، ونتقبّلها كما هي دون أن ندخل في نوبة لومٍ وجلدٍ للذات.
  • لنتخلّص من المشاعر السلبية المتراكمة في أعماقنا وننظر إلى أنفسنا بطريقة فيها الكثير من التقبّل والتجاوز.

كيف يكون التسامح مع النفس؟

التسامح مع النفس يعني أن نترك الأشياء تأخذ مجراها الصحيح دون المبالغة في ردود الأفعال تجاه الأخطاء التي نرتكبها، وأن نتحلى بالصبر ونحن نُحاسب أنفسنا على أيّ خيبة تسببنا بها، أو شعورٍ بالندم. فالمشاعر المحبطة يجب أن تبقى مجرّد مشاعر عابرة، وألّا نتركها تتغلغل فينا بشكلٍ مبالغ فيه، خصوصًا إذا كان الخطأ ليس متعمّدًا. كما سيُساعدنا التسامح في تجاوز المشاعر السلبية الذاتية وأن نكون أصدقاء يُخففون علينا عبء الشعور بالذنب أو الخطأ، ويمنحونا الشعور بالأمان. يمكن للتسامح مع النفس أن يكون كالآتي:

  • تطبيق مبدأ الانعكاس والاستجابة، أي أن نبدأ بالتسامح مع أنفسنا لينعكس هذا على الآخرين فنتسامح معهم، لأنّ التسامح مع النفس يمنح الشعور بالراحة التي تدفعنا لأن نكون أكثر تسامحًا.
  • تعزيز تعاطفنا مع أنفسنا وتقبلها، وتذكير أنفسنا بشكلٍ دائم أنّ المثالية ليست موجودة بشكلٍ كامل في أيّ شخص، وأنّ البحث عن الكمال مرهقٌ وليس حقيقيا.
  • عدم مبالغتنا في ردود أفعالنا السلبية ضدّ أنفسنا، سواء كانت ناتجة عن أفعال خاطئة مقصودة أم غير مقصودة.
  • التحدث مع أنفسنا بطريقة واعية، والتقرّب منها بشكلٍ ودي، لنيُعزز نظرة التقدير التي ننظر بها لأنفسنا، وبذلك نزيد حتى من مناعتنا النفسية التي تُعزز قيمة التسامح.
  • محاولة الخروج بأقلّ الخسائر من أي موقف نضع فيه أنفسنا، أو حتى أي موقف وجدنا فيه أنفسنا لأي سببٍ كان، وذلك بالتخطيط والتفكير المنطقي الذي يجعلنا نبحث عن الحلول بدلًا من التركيز على اللوم والعتاب.

يُصنف علماء النفس تعظيم الشعور بالذنب لدى البعض، وعدم قدرتهم على مسامحة أنفسهم تحت بند الخلل النفسي. إذ تُشير الدراسات أنّ مقدار الحزن الذي يُعانيه الشخص ومقدار شعوره بالذنب والندم يعتمد بالدرجة الأولى على التاريخ النفسي الذي تعرّض له الشخص. وتُشير التجارب السريرية إلى أنّ الدرجة التي نُسيء بها إلى أنفسنا بمجرّد ارتكاب أخطاء عادية يرتبط بعدة عوامل أهمها مدى انتقاد الوالدين والمعلمين ومدراء العمل الذين يُمارسون تعنيفهم ولومهم لمجرّد الإخفاق في أي شيء. يجب أن نتذكر أخذ هذه النقاط بعين الاعتبار، والتعلّم عن كيفية مكافأة النفس وتعزيزها ومسامحتها بدلًا من لومها والاقتناع بأنّ الأخطاء جزء من حقيقة الحياة التي نعيشها؛ أي علينا تقبّل الذات بشكلٍ أفضل وأعمق وأصدق.

التسامح مع النفس يجعل الرؤية أوضح أمامنا، ويُساعدنا على  معرفة الأخطاء التي نقترفها فنتخطاها في المستقبل. الأمر أشبه بأن نُصبح ممتنين لأنفسنا لما منحناه إياها من تسامح. ولكن تسامحنا مع أنفسنا لا يعني أن نُكرر الأخطاء. التسامح مع النفس يجعلنا نُفكّر مليّا قبل القيام بأي عمل كي لا نضع أنفسنا في نفس المواقف الخاطئة؛ كما يُعطينا دافعًا قويًا كي نتصرّف بطريقة أفضل، ونأخذ العبرة والدروس المهمة التي تجعلنا أكثر بصيرة وحنكة وقدرة على وقاية أنفسنا من أي موقف يُمكن أن يُزعزعنا من الداخل ويضعنا في خيار بين جلد الذات والتسامح. لذلك في كلّ مرّة تجد نفسك منغمسًا في جلد ذاتك، حاول أن تكون أكثر لطفًا معها، وفكر في أهمية التسامح وقيمته لك ولمن يحيطون بك. وتذكر أن تسامح نفسك وتحتضنها بنفسك فأنت وحدك قائدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق