البعض يستحق فرصة أخرى
البعض يستحق فرصة أخرى
الحياة مليئة بالأشخاص والأحداث المتشابكة التي تضعنا في مواقف كثيرة، مما يعني أننا معرّضون في أيّة لحظة للاصطدام بوجهات نظر الآخرين أو غيرها. وقد نُقابل أشخاصًا يُسببون لنا الأذى أو يتسببون في كسر قلوبنا بطريقةٍ ما. وعلى الرغم من أنّ الناس عمومًا يُفضّلون قطع علاقاتهم التي تسبب لهم بالأذى، إلّا أنّ حدوث سوء فهمٍ أو موقف سلبي ما لا يعني بالضرورة انتهاء الصداقة أو الحب؛ فالبعض يستحقون فرصة أخرى تعود فيها مياه الصداقة أو الحب إلى مساراتها الوردية وإظهار التسامح فنتخطّي جميع الخلافات من باب التماس الأعذار للآخرين. نحن جميعًا لسنا مثاليّون ومعرّضون للخطأ مع بعضنا البعض، وفي الوقت نفسه نحن نعيش معًا في مجتمعٍ متكامل ولا يستطيع أيّ منّا أن يفصل نفسه عن الآخرين، لهذا نحن مضطرون لتقبّل الآخر كي نعيش في سلام وتفاهم وبأقل الأضرار.
لماذا نُعطي فرصة أخرى للبعض؟
الأصل في العلاقات بين الناس أن يسودها الحب والتقدير والاحترام، وأن تكون العلاقة مبينة على حفظ العهد في جميع الظروف، مهما كان نوع العلاقة. ولأنّ طبيعة الحياة تفرض اختلاف وجهات النظر، قد تُسيطر المشكلات على العلاقات وتتسبب في حدوث قطيعة وبُعد. لكن قد يرغب البعض في العودة إلى حياتنا بعد أن غادروها لسببٍ أو لآخر إذ يرغبون باستئناف العلاقة مهما كان نوعها بعد أن يعودوا معتذرين. في هذه المواقف قد يصعب علينا أحيانًا أن نُحدد موقفنا وأن نحدد ما إذا كنا نرغب في عودتهم ومنحهم فرصة أخرى أم لا.
لهذا علينا قبل أن نتخذ موقفًا بمنح الفرص أم لا، علينا أن نعي بعض الأسباب التي تجعلنا نتجاوز الخلافات لنعطي الآخرين فرصة للعودة إلى حياتنا ومتى يكون ذلك. ويمكن الاستناد إلى بعض الأمور منها ما يأتي:
- سيطرة بعض المشاعر: المشاعر ليست بالشيء السهل الذي يُمكن تجاهله بسهولة، فإذا كنًا لم نزل نشعر بمشاعر الحب تجاه شخص ما، فهذا يُعطيه فرصة ثانية للبقاء وتجاوز الخلاف. فالحب يستحق المجازفة، وقد ينتهي الأمر بالبقاء معًا، خصوصًا إذا كان هذا الحب ممزوجًا بالحنين إلى عودتهم.
- تقديم الاعتذار المقنع: الاعتذار بطريقة لبقة ومقنعة وتقديم الحجج الصحيحة التي تُبرر الموقف، يُعطي دافعًا للتفكير بإعطاء فرصة إضافية للشخص، لأن اعتذاره يعني أنه أعاد حساباته.
- صلة القرابة أو الصداقة: وجود صلة قرابة مع الشخص قد يجعلنا نُفكّر في إعطائه فرصة ثانية لأنّ قطع العلاقة أو إنهائها مع قريب أو صديق يُخلِّف الكثير من الآثار السلبية ليس فقط على مستوى الشخصين فقط، وإنما على مستوى العائلة أو مجموعة الأصدقاء، وخصوصًا إذا كان هذا الشخص محبوبًا لدى عائلتنا وأصدقائنا.
- الشعور بالوحدة والفراغ: في كثير من الأحيان يترك رحيل الآخرين في حياتنا شعورًا كبيرًا بالوحدة والفراغ، وهذا الشعور قد يُسبب الحزن أو الاكتئاب، وهو شعور ثقيل لا يُمكن تجاوزه بسهولة، فإذا كنّا نعلم مدى تأثرنا برحيل الآخرين من حياتنا، فبإمكاننا إعادة التفكير في منحهم فرصة أخرى.
أهمية منح فرصة أخرى للبعض
يقولون: “أن تخدعني مرة عارٌ عليك، أن تخدعني مرتين عارٌ علي”. التعرض للأذى من الشخص الذي كنا نهتم لأمره أو نثق به أمرٌ في غاية الصعوبة. لكن رغم كلّ شيء للتسامح قيمة كبيرة في العلاقات الإنسانية يجب ألّا يتم تغافلها. إعطاء فرصة ثانية يكون بمثابة اختبار حقيقي للشخص الآخر، فإن نجح بالاختبار فإنّ فرصة البقاء معًا إلى الأبد ستكون كبيرة. وإن لم ينجح الأمر فهي فرصة لإنهاء العلاقة بشكلٍ تام دون ندم. فالفرصة الثانية مهمة جدًا ليس فقط للآخرين، بل لنا أيضًا. وفيما يأتي أهم الأسباب التي تدفعنا لإعطاء فرصة ثانية للآخرين:
- الحفاظ على قيمة التسامح: التسامح من أهم القيم التي يجب أن تسود في المجتمع، خصوصًا عندما نتعرّض للأذى من الآخرين دون قصدٍ منهم، وحتى إن كان ذلك بقصد، فيجب إثراء قيمة التسامح ليشعر الجميع بأهميته.
- تحقيق السلام الداخلي: منح الآخرين فرصة إضافية يجعلنا نشعر بالسعادة بشكلٍ كبير، وهذا ما يُسمى بعامل الرفاهية الذاتية الذي أثبتته العديد من الدراسات النفسية وشدّدت عليه.
- إعطاء الآخرين فرصة للتغير: البعض يملكون صفة التقدير، لهذا عندما نمنحهم فرصة أخرى فهذا قد ينال تقديرهم ويجعلهم يتصرفون بشكلٍ أفضل في المرّات القادمة، وإعطائهم فرصة لإثبات ذلك. وبالتالي سيتعلّمون من أخطائهم، وهذا يعني أننا نملك دورا في تحسين المجتمع وتحسين شخصيّات الكثيرين.
- الاحتفاظ بالطاقة العاطفية: منحنا فرصة أخرى للآخرين أسهل بكثير من البدء مع أشخاص جدد، لأنّ البدء في علاقات جديدة مع أشخاص جدد يتطلّب طاقة كبيرة، ويستنفذ عواطفنا.
الحياة أقصر من أن نمضيها في قطع العلاقات مع الآخرين وتصفية الحسابات، وهي تتسع للتسامح والتغاضي عن الأخطاء، ومنح الفرص باستمرار. لهذا من الجيّد أن نجعل قلوبنا أكثر رحابة في تقبّل الآخرين والتجاوز عن أخطائهم وإعطائهم درسًا في التقدير، ومنحهم فرصة كي يتغيروا. كما أنّ إعطاء فرصة أخرى للبعض يُتيح لهم أن يكونوا أشخاصا أفضل، وأن يندموا على أخطائهم وألا يكرروها. لكن، وبكل تأكيد، لا بدّ أن يكون إعطاء الفرص محدودًا إذا لم يكن الطرف الآخر جادًا في التغيّر نحو الأفضل، فلا أحد في نهاية الأمر يمنح الآخر فرصة لتدميره أو إيذائه بشكلٍ مستمر. لهذا فالذكاء الحقيقي يكون في إدراك كيف نُعطي الفرصة ولمن نعطيها.