الاستسلام يؤدي للسلام… أحياناً

عندما نشعر بالتعثر أو الركود في طريقنا، تبقى أسهل طريقة للتخلص من هذا الشعور هي أن ننظر إلى الشيء الذي نتمسك به بشدة، ثم نحاول أن نتركه لنصل إلى الاستسلام. ففي كل مرة تتشبث بشيء أو تحاول السيطرة على نتائجه، تأكد أن ما نتمسك به بشدة، في حقيقة الأمر نحتاج إلى تركه ينطلق حرا.
ولكن ماذا يعني الاستسلام؟ غالبًا ما يساء فهم الاستسلام. ويتم اختزاله في “الانسحاب” فقط، ثم يساء استخدامه في دروس التنمية الذاتية. لكن الاستسلام ليس فشل أو هزيمة، أو قرار بالانسحاب؛ ولا يعنى به خطوة عشوائية لا تتطلب التخطيط.
تحاول أذهاننا التحكم في كل ما يتعلق بنا. هذه هي طبيعتها في محاولة منها لإبقائنا آمنين وسعداء وفي حياة أفضل. ستحارب عقولنا وترفض وتتجاهل وتواصل “اللف والدوران” لتغيير المواقف التي لا تريدها، وبعد ذلك يأتي وقت يستوقفنا، حتى لا يمكننا فيه المواصلة، ونبدأ حقا بالاستسلام من هنا.
في العادة، يكون التحكم الشديد في كل الأمور نابع من هذه الأشياء الثلاثة: رغباتنا وآرائنا ومخاوفنا! قالت ماريا إيرفينج، معلمة الطاقة الأمريكية، إنه يمكننا أن ننظر إلى الأشياء من حولنا لنرى كيف نحتجز أنفسنا داخل سجون من صنعنا؟ الحياة تتحرك دائمًا وتشكل نفسها وتتكشف دائمًا، ولكن عندما نتمسك بعناد برغباتنا وآرائنا ومخاوفنا، سنشعر بالملل. فدعونا نستسلم لتيار الحياة!
يحدث الاستسلام عندما ندرك عدم مقدرتنا على التفكير في طريقنا أو رؤيته بوضوح. في هذه الحالة لا نعرف عن الآتي شيئا وما إن كان سيأخذنا إلى الأفضل أم الأسوأ؛ إلى الراحة أم الشقاء! كل ما نعرفه هو أنه لا يمكننا الاستمرار بهذه الطريقة.
عندما نستسلم، نستسلم، لكن ليس بالطريقة التي نعتقدها عن الاستسلام. نحن لا نستسلم لوضع ما، ولكننا نتخلى عن اعتقادنا بأننا قادرين على إدارة الموقف، وأننا نستطيع السيطرة على أيٍّ من أجزائه! نحن فقط نتخلى عن الاعتقاد بأننا نستطيع أن نجعل الواقع مختلفًا عما هو عليه. بالاستسلام نتخلى عن اعتقادنا الخاطئ بأننا المسؤولون وذلك يمنحنا راحة عميقة وفقا لمقال “عندما يحين الوقت لتترك زمام الأمور وتستسلم” على موقع “ Psychology Today“.
كيف تصل للاستسلام لتشعر بالسلام؟
- اسمح لنفسك بالتنفيس إلى حد ما
الاستسلام الكامل والمستمر والدائم أمر غير واقعي. وإنا بالطبع نشعر بمشاعر سلبية بالتأكيد تجاه التجارب التي لا تفي بتوقعاتنا. نحن بحاجة إلى السماح لأنفسنا بأن تشعر بهذه المشاعر، فالتنفيس عن المشاعر السلبية مفيد إذ يسمح لنا بتحرير أنفسنا منها ولو بقدر ما.
- ذكر نفسك بأن الاستسلام لا يعني الانسحاب
بعد أن عرفنا ما هو الاستسلام، يصبح المفتاح لاتخاذ القرارات الإيجابية وتحررنا من الكثير من المشاعر السلبية التي نشعر بها من خلال معارضة الواقع.
- كن المحارب السعيد
عندما لا نستسلم للواقع ونحاربه، لن يكون هناك مفر من المشاعر السلبية. في هذه الحالة، نتحول إلى محاربين غاضبين أو كئيبين. وهذه عينها هي الهالة السلبية أو هالة اليأس التي تأتي مع الفشل.
الأن، وجه لنفسك هذه الأسئلة: الاستسلام يؤدي للسلام
- ماذا سيحدث الآن إذا تركت كل شيء كما هو؟ الاستسلام يؤدي للسلام
- إذا لم أفعل أي شيء، فما هي الخبرة الفعلية التي اكتسبها في هذه اللحظة؟
الاستسلام، في جوهره، هو الاستعداد لمقابلة الحياة كما هي؛ والتوقف عن القتال أو محاولة تغيير ما هي عليه. الاستسلام ليس شيئًا يمكن لعقولنا أن تنجزه، لكنه شيء يمكننا بالوعي أن نرجعه إلى حياتنا.
في حياتنا الشخصية والعملية، من السهل أن ينصرف انتباهك إلى أفكار خاطئة. فتقارن نفسك بالآخرين الأكثر ثراءً أو الأعلى في التدرج الوظيفي، أو الأكثر جاذبية. الاستسلام يتيح لنا تعلم الاستغناء عن المقارنات ومن ثم نتمكن من إعادة تركيز طاقتنا على الفرص والمواهب والمهارات. ونتيجة لذلك، نتخلص من حالة الشك الذاتي، وقلة الثقة.
في “قوة الاستسلام” نتعلم التخلي عن حاجتنا للسيطرة على الأشخاص أو لحمل المسؤولية وحدنا. وبدلاً من الجدل أو التراجع أو تصعيد النزاع مع شخص عدواني أو سلبي، يمكننا الاستغناء عن التوتر الذي نشعر به، بمجرد أن نقرر ذلك، ونبحث عن طريقة بسيطة للتفاعل؛ كالاتفاق مع جزء مما يقولونه على سبيل المثال، أو عن طريق تقديم حل له فائدة مشتركة. إن قوة الاستسلام عادةً ما يُساء فَهمها أو يتم تجاهلها لأنها غير مفهومة لكثير من الأشخاص.
معظمنا لم يج فرصة لتعلم حياة الرضا والاستسلام. فقد تعلمنا العكس، وهو أن نظل نحاول أكثر. نحن نعلم جيدًا من تجاربنا أن كل هذه المواقف الموترة والضاغطة في الحقيقة تعمق اضطرابات بداخلنا. نحن نحترق ونشعر بالإحباط ونشعر باليأس ونحمل بداخلنا شعورا سلبيا تجاه الأخرين فتنفذ قوتنا وطاقتنا الداخلية من فترة لأخرى، فنمضى بعدها وقتا طويلا نحاول فيه استعادتها.
وفي النهاية، نختم بما قالته “سارة باديسون”، المؤلفة الأمريكية: “الاستسلام يسمح لنا بامتلاك قوتنا. الاستسلام لا يقلل من قوتنا، بل يعززها”، حيث يمكننا أكثر من الإيمان بالترتيبات الإلهية للأشياء ونشعر حينها بأن التسليم للأمور يدلنا إلى كنه أقوى. حينها نشعر بالراحة، ونترك الخوف، ويهدأ جسمنا. بينما تتضح أفكارنا وتهدأ وتتناسق داخل عقلنا بينما نحن على الطريق للشعور بالسلام.