احذر الإيجابية السامة

الإيجابية… كلمة جميلة نبحث عنها دائما. نحث غيرنا عليا ونحاول اتباعها بكل إمكانياتنا وفي كل أمورنا ومشاعرنا، ولكن! كلمة “إيجابي” قد تكون مخادعة إن لم نفهمها جيدا ونتبعها دون التفكر. ولم التفكر فهي الإيجابية بذاتها، فما قد يكون خطأ فيها؟! الحقيقة أن لكل مفهوم وجهان متناقضان وبُعدين متطرفين، يمكن أن نجد في الإيجابية السلبية وهو ما أصبح يعرف حاليا باسم “الإيجابية السامة”. الإيجابية السامة قد يمارسها غيرك ضدك على جهل أو خلافه، وقد تمارسها أنت تجاه نفسك ظنا منك أنك على صواب! لذا لنفهم معا ما هي الإيجابية السامة وما أوجهها وما ممارسات التغلب عليها!
تعريف الإيجابية السامة
الإيجابية السامة هي تعميم غير عادل وغير مفيد لسعادة وتفاؤل زائفين في جميع المواقف مما يؤدي إلى إنكار وتقليل شأن ما نمر به من مشاعر إنسانية أصيلة وجدت في الأصل لمساعدتنا على تعديل حياتنا. وكأي شيء يزيد عن حده، ينقلب ضده، الإيجابية في كل حال وللتستر أمر ما أو إنكاره أو إسكاته، فإنها تصبح سامة. الإيجابية السامة هي ألا تسمح بوجود مشاعر معينة فنكبتها! وهذا فيه عدم مواجهة للواقع ولأنفسنا وعدم تقبلهم. نحن بشر نشعر بالغيرة والغضب والاستياء والجشع والحزن ولا بد أن نشعر بهم لنتطور ونتجنب الأذى ولأسباب عدة أخرى.
مظاهر الإيجابية السامة
للإيجابية السامة عدة مظاهر يمكنك ملاحظتها في نفسك عند تعاملك مع الغير أو مع نفسك.
- الهروب:
قد تجد نفسك “تهرب” حرفيا من الاستماع لأي مشكلة، وبالتالي تجد أصحابك يتعجبون لأمرك أو يظنون أنك لست صديقا مخلصا!
- شعاراتك:
قد تلاحظها في عبارات قاسية تستخدمها كثيرا تظلم بها نفسك، ولكنك لا تظنها كذلك مثل:
- خليك دائماً إيجابي!
- مش عاوز أكون إلا مع الناس السعيدة فقط!
- كل ده انعكاسات وليس حقيقية ما أشعر بيه فعلا!
- الفشل مستحيل بالنسبة لي!
- السعادة دائماً اختياري!
- كبت أو إنكار أو إخفاء مشاعرك:
الغريب أنك لا تخفيهم عن الناس فقط، ولكن عن نفسك أيضا، فتظل تنكرهم وتخفيهم وتتجاهل وجودهم. تقول لنفسك لا لا لن أتحدث أو أفكر حتى مع نفسي في تلك المشكلة فهي تزيدني سلبية وأنا اختار الإيجابية فقط. ولكن في النهاية، وعند تراكم وتفاقم الأمر ستندهش من بركان سلبي ينتظر الانفجار إن لم تتعامل معه بالمنطق.
- تأنيب الذات:
تؤنب نفسك إن وجدتها حزينة أو تتألم من أمر ما وتظلمها بأنها ليست ناضجة كفاية لتتخطى أمور تافهة مع أنها في الحقيقة ليست تافهة على الإطلاق. فأنت لا تحرم نفسك حقها في الشعور!
- أمر غيرك بالإيجابية:
إن أتاك أحد يشكو من أمر ما، بدلا من أن تعطيه النصيحة وخبرتك في الحياة، تظل توجهه لأن يظل مبتسما رغم تألمه وكأنك تجبره على ذلك فقط لأنه إيجابي وسيأتي بالسعادة لا محالة!
- تجنب السعي وراء الحلول:
تظل تقلل من أهمية أي ما يؤرقك أو تجده فعلا خاطئا لتتجنبه ولا تحله! وهذا لا يزيد الطين إلا بلة، بل ويتأثر بك أولادك مثلا فيتعلمون الكسل والتخاذل وهو حقا ما لا تسعى له أبدا. ولكنك، للأسف تظل تقول سيتحسن الوضع سيتحسن الوضع فقط كن إيجابيا!
كيف نواجه الإيجابية السامة
علينا أن نعلم جيدا أن المشكلات لا تحل وحدها ولو بمرور عشرات السنوات. انظر لعائلتك مثلا، ألا تتذكر موقفا حادا، ذكر فيه أحد أطرافه أمرا منذ 20 عاما!!! تذكر جيدا موقفا آذاك ولم تقدر عليه وكم غيرك حتى بعد مدة طويلة!
السلبيات ليست مخيفة، بل هي فقط تحديات، علينا مواجهتها لنصنع منها الإيجابية بدلا من أن نتركها تتفاقم.
لنواجه الإيجابية السامة، علينا أن نبدأ من داخلنا ونغير تفكيرنا وشعاراتنا.
- فبدلا من أن نردد “كن إيجابيا، كن إيجابيا” لنحاول أن نصف مشاعرنا ونتفهمها ونعرف مصدرها.
- وبدلا من أن نتجنب مشاعرنا المتعبة، لنحاول أن نجد استشارة أو نصح من أحدهم فيما علينا فعله حقا.
- وبدلا من أن نقول إن الفشل مستحيل علينا، لنحاول أن نخبر أنفسنا بأننا سنجد صعوبات لا محالة، ولكن سنقدر على مواجهتها بالعمل والاجتهاد والمشورة.
- وبدلا من أن ندفع أصدقاءنا بعيدا إن حاولوا يوما الشكوى من شيء، لنحاول دعمهم والبقاء بجانبهم في كل أمر والاستماع لهم، فهذا في الحقيقة كل ما يريدونه.
- وبدلا من أن نسيان ما يتعبنا، لنجد من خلاله أصدقاء جدد نتشارك معهم الحلول والطرق الإيجابية لحياة واقعة صريحة وأفضل.
- وبدلا من الاستسلام للواقع وقولنا إن الأمر خارج عن يدي وبالتالي سأبقى إيجابيا تجاهه فقط، لنأخذ بزمام الأمور ولنتحمل مسؤولية صعوبات حياتنا لأن الحياة لن تبقى دائما سعيدة!
أن نكون سالمين وإيجابيين حقا علينا تفهم حياتنا فعلا ومشاعرنا وكيف نعكسها في كلامنا وتعاملنا. الإيجابية ليست هي هدفك الأسمى، ولكن الرضا رغم محاولاتك المستمرة لتحسين حياتك، وتقبلها وتقبل نفسك ومن حولك؛ أولئك الذين هم جزء من حياتك والمقدر لك التعامل معهم والتعلم منهم ومساندتهم وتلقي الدعم منهم أيضا. لا تحاول أن تنكر مشاعرك أو تمحيها من حياتك فهي موجودة لتكون بوصلتك في طريقك لا لتنغصه! تقبل الجميع وتقبل نفسك وحياتك بسلبياتها قبل مزاياها، وواجه واستعن بغيرك وستجد الإيجابية الحقيقية.