أنماط بومريند الأربعة في نظريتها للتربية
تختلف نظريات وأنماط التربية وأساليبها باختلاف الثقافات والمستوى التعليمي والاجتماعي للناس. من هذه النظريات نظرية دايان بومريند، الأخصائية الرائدة في علم النفس الإكلينيكي والتنموي المعروفة بعملها المختص في أساليب التربية. نشرت بومريند دراساتها في أواخر الستينيات عن التأثيرات المختلفة لأنماط التربية على الأطفال في دراستها بعنوان “ممارسات رعاية الطفل المسؤولة عن ثلاثة أنماط من سلوك الطفل قبل سن المدرسة” المنشورة على منصة APA PsychNet لعلم النفس. لاحظت بومريند ثلاث مجموعات من الأطفال في سن ما قبل المدرسة. كانت آباء الأطفال الذين لا يتمتعون الثقة ولا يشعرون بالسعادة مسيطرين جدا؛ بينما الأطفال المعتمدين على ذاتهم وسعداء كانت آباؤهم متطلبين ولكنهم يهتمون بالجانب النفسي في تربيتهم؛ أما الأطفال غير الناضجين والمتعالين فكانت آباؤهم دافئون ولم يضعوا أي حدود في تربيتهم! من هنا، أسست بومريند لأساليب التربية في ثلاثة أنماط التربية الرئيسية: المستبدة والحازمة والمتساهلة.
- التربية المستبدة
انطلاقا من ملاحظات بومريند نجد الآباء المستبدين صارمين ومتحكمين، وكثيرا ما يصدرون الأوامر لأطفالهم دون تقديم المحبة والدفء ودون الاستجابة لاحتياجاتهم. فيجد الطفل نفسه مجبرا على فعل ما يقال له. وإذا سئل عن السبب تكون الإجابة: “لأنني أمرتك بذلك!”
يعتمد الآباء الاستبداديون على الانضباط القاسي في تربيتهم، فلا يستمتع الطفل سوى بالقليل من التحكم في حياته.
صفات أطفال التربية المستبدة
للأسف يكن نتاج هذا الأسلوب أطفال غير واثقين من أنفسهم ويجدون صعوبة في إكمال مهامهم. وعادة ما يجد معلمو هؤلاء الأطفال صعوبة في التعامل معهم إذ يميلون للانسحاب اجتماعيًا ولا يشكلون ثقة بسهولة أبدا.
في كتاب مفاهيم وتطبيقات علم النفس لجيفري نيفيد، لاحظت بومريند أن الأولاد المراهقين الذين لديهم آباء مستبدون من المرجح أن يكون أداؤهم ضعيفًا في المدرسة كما يفتقرون إلى المبادرة وقد يكونون غير ودودين مع أصدقائهم.
لذا ستجد تصرفات هؤلاء الأطفال غير سعيدة وهم أقل استقلالية ولا يشعرون بالآمان ومهاراتهم الاجتماعية مشوشة، ولا يثقون أو يحترمون أنفسهم، كما أن سلوكياتهم الاجتماعية ومستواهم الأكاديمي متدنيان، وبالتالي هم أكثر عرضة لمشكلات المراهقة.
- التربية الحازمة
في هذا النمط يضع الوالدان توقعات عالية جدا مقارنة بقدرات أطفالهم. وعلى عكس الوالد الاستبدادي، فإن الآباء في هذا النمط يستجيبون لاحتياجات أطفالهم ويتمتعون بالمرونة؛ وهم يستمعون ويعطون النصيحة. تقرر بومريند أن هذا النمط التربوي هو الأكثر ترجيحًا من بين الأساليب الثلاثة للحصول على نتائج إيجابية في تربية أطفالك.
ما يشترك فيه الأسلوب الحازم مع الاستبدادي هو أن كلاهما لا يتهاون في وضع الحدود وفي توقعاتهم السلوك الناضج. ولكنهما يختلفان في أساليب الانضباط والتواصل والدفء. كما، الآباء المستبدة قوية، لكن الآباء الحازمة عقلانية؛ الآباء الحازمة تتواصل بالدفء؛ أما المستبدة فلا تفعل ذلك. الآباء الحازمة يشرحون القواعد ويستمعون إلى أطفالهم، ويضعون توقعات معقولة.
صفات أطفال التربية الحازمة
أطفال التربية الحازمة يكونون سعداء وراضيين وأكثر استقلالية ونشاطا ويحققون نجاحات أكاديمية أكثر؛ كما يتمتعون بالثقة في النفس والمهارات الاجتماعية والصحة النفسية وهم لا يبدون ميولا للعنف. لذا، فهم يعتمدون على أنفسهم، ويتمتعون بتقدير عال للذات وهم محبوبون بين أقرانهم. فالآباء هنا يشجعون أطفالهم على أن يكونوا مستقلين وحازمين، ويحترموا الآخرين؛ فتجدهم يعتمدون على العقل والمنطق في تربيتهم لا القوة.
- التربية المتساهلة (أو المتسامحة)
يقدم الآباء المتساهلين الكثير من الحب والحنان والدفء ولكنهم لا يضعون الحدود. فهم يتركون أطفالهم يفعلون ما يشاؤون، وقد يكبر أولادهم دون أن يفهموا أن المجتمع سيفرض قيودًا على سلوكياتهم. وبالنتيجة، يكبر أطفال الآباء المتساهلين محبطين من المجتمع بسبب محاولاتهم للعمل وفقًا لتوقعاته التي لم يعتادوها.
وعلى الرغم من أن بومريند هي التي أسست للأنماط الثلاثة، جاء عالما النس جيك ماكوبي ومارتن (1983) ووسّعا هذه الأنماط. حيث قسما نمط التربية المتساهلة إلى نوعين مختلفين: التربية المتساهلة (المعروفة أيضًا بالمتسامحة) والتربية المهملة (المعروفة أيضًا بالتربية غير المشاركة).
3-أ التربية المتساهلة
في هذا النمط، وفقا لماكوبي ومارتن فالآباء دافئون ومتسامحون لكنهم لا يضعون الحدود وإن وضعوا أي حدود لا يلتزموا بتطبيقها بحزم. كما أنهم لا يحبون أن يقولوا “لا” لكي لا يخيبوا أمل أطفالهم فيهم!
صفات أطفال التربية المتساهلة
تميل أطفال هؤلاء الآباء إلى تحقيق أسوأ نتائج: فهم لا يتبعون القواعد ولا يتمتعون بضبط النفس، ولديهم ميول أنانية ويشكلون مشكلات كبيرة عند الارتباط. ويلاحظ أيضا عليهم الاندفاع والافتقار إلى ضبط النفس والخبرة في صياغة رغباتهم بالتماشي مع رغبات الغير، مما يجعل الأمر صعبا على هؤلاء الأطفال فيما بعد للتكيف مع حياة البالغين.
3-ب التربية المهملة
كما الفئة السابقة، فالآباء المهملون لا يضعون القواعد وإن وضعوها تجاهلوها، ولكن الأسوأ في فئتهم أنهم أيضا يتجاهلون المشاعر، فلا يهتمون بأولادهم البتة ولا بإعطائهم الحب والحنان والدفء.
في الأغلب تكون هؤلاء الآباء مرضى أو ضحايا لقضايا أخرى لا يستطيعون التغلب عليها والمضي قدما.
صفات أطفال التربية المهملة
نتاج هذه التربية هم الأطفال الأكثر جموحا وعدم التزاما فهم لا يقدرون على تنظيم مشاعرهم الذاتية ومواجهة المشاكل بعد تلك التي عانوها بالفعل. فهم يميلون للجنوح والإدمان وهم الأكثر عرضة للأمراض العقلية وللميول السوداوية في سن المراهقة كالانتحار مثلا.
نصائح عند الاختيار بين أنماط التربية
- هذه الأنماط الأربعة تشكل أربعة اختيارات يمكن استخدام أحدها في موقف معين. أي أنه يمكن الجمع بينهم جميعا في تربيتنا أطفالنا ولكن بحكمة.
- هذه الأنماط الأربعة في التربية لا تؤدي حتما لتلك النتائج. فالعوامل المؤثرة في تربية الأطفال كثيرة جدا. ودائما يمكننا بدء إصلاح أعمالنا مهما تأخر الوقت.
- كل طفل مختلف عن الآخر، وبعضهم يتطلب معاملة مختلفة عن الطبيعي أو الدارج. بعض الأطفال عنيدة بطبعها أو متهورة وتلزمهم معاملة أكثر حزما وقوة من غيرهم.
- المجتمع أحيانا يجبرنا على اختيار أنماطا محددة، ففي الصين مثلا نجد النمط الحازم وفي بعض الأحيان المستبد أيضا هما الأكثر اتفاقا مع المجتمع.
- فرقوا بين أنماط التربية وممارساتها. فالممارسة هي ما تطبقوه بأنفسكم أيضا وهي الطريق المختصر لتعليم أطفالكم شيئا ما.
نهاية وبعد عرض أنماط التربية، عليكم أن تتذكروا أن دراسة بومريند لم تكن عن علاقة سببية بين الأنماط ونتائجها بل عن علاقة موجودة بين سلوكيات الأطفال وطريقة تربيتهم. أي أن تطور أطفالنا وتطور مشكلاتهم ليس بالضرورة ناتج عن تربيتنا لهم ومع ذلك فالتربية عنصر لا يمكننا إغفاله بالطبع. لذا، فقبل أن نحسن تربية أطفالنا علينا أن نحسن معاملة أنفسنا أولا لنكون آباء أفضل، ونكون أكثر قدرة على تربيتهم تربية سوية ملائمة لاحتياجاتهم.